الحمد لله حمداً كثيرا لا يحصى عدده، ولا يدرك منتهاه، وأشهد أن الله إله فرد صمد، تنزه عن مشابهة خلقه، واستوى على عرشه، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وسع كرسيه السموات والأرض، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، أرسله بالهدى ودين الحق، ولهداية البشرية اجتباه.
أما بعد: فإن المتتبع لجهود علماء الأمة الإسلامية منذ عهد الصحابة- رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا يجد من صبرهم على البحث والتتبع لفرائد العلم وفوائده، والغوص في بحور العلم والمعرفة، ما يشيب له الولدان، وتحار العقول في الموازنة بين ذلك الإنتاج الهائل - الذي تجلى في أدق صفاته، من حيث الكيف والكثرة- وبين الوقت المنجز فيه، إنها أزمنة قياسية لن تحطم، تقف العقول مشدوهة أمام تلك الصلابة الحسية المتمثلة في الصبر على عناء البحث، ومشقة التتبع العلميين، والمعنوية المتمثلة في ذلك السد المنيع الواقف أمام التيارات المعادية لشريعة الإسلام بقضها وقضيضها، تلك العداوة المستمرة التي لا تفتأ ترسل حملاتها الشعواء على السنة وأهلها الحملة تلو الحملة، ولكنها تبوء بالفشل، وإن كانت تثير بعض الجدل، لكن سرعان ما يظهر الحق ويعود الكيد إلى نحور أهله.
ولو أخذنا مثلا على هذا، جهود العلماء لخدمة السنة النبوية، لرأينا العجب العجاب من أولئك الجهابذة الذين جندوا أفكارهم، وجردوا أقلامهم لصيد كل فائدة من كنوز هذا الدين، فكان من جهودهم، حفظ النصوص، وشرح الألفاظ، وتذليل كل ما يحول دون الفهم، من أجل بيان الحق لطالبيه، والذود عن حرم السنة المقدسة، كي تبقى سيدة الموقف في كل زمان ومكان، ولا غرابة، فالسنة مصدر التشريع الثاني، وهي موضحة لما في كتاب الله من الإجمال، ومفصلة له بأوضح المعاني، فكان الإعداد لحملتها منحة من الله عز وجل لهذه الأمة، فهيأهم لحمل هذا المنصب الجليل، وأمدهم بكل المقومات، النفسية، والفكرية، والعقلية، فكان من ذكائهم ما لا يوصف، ومن حفظهم ما يشبه الخيال، ومن صبرهم ما يثقل الجبال، ومن إيمانهم بشريعة الله وصفاء عقيدتهم، ما يجعلهم يدفعون النفس والنفيس في سبيل إظهار الحق، وقمع الباطل، وهذا ما يلمسه المتتبع لأخبارهم العارف بصفاتهم وأحوالهم، أفكارهم تجوب ميادين العلم والمعرفة دون كلل أو