للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الآية تأوّل فيها ما تأوله غيره من الصحابة - رضي الله عنهم ١، عند نزولها - كما سيأتي -، إلا أن ذلك كان عند نزول الآية، فتكون الرواية الأولى ٢ حدّث بها بعض الرواة بالمعنى، ولم يتفطن الشيخان لما فيها من المخالفة، من تقييد ذلك بنزول الآية، وأيضا فالآية لم تنزل بكمالها من أوّل الأمر، بل تأخر نزول قوله ٣ تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} ، عن نزول بقيتها، فقد روى أبو حازم، عن سهل بن سعد ٤- رضي الله عنهما - قال: "نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ٥، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحد في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله {مِنَ الْفَجْرِ} ، فعلموا أنما يعني الليل والنهار"، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري ٦، فهذه قضية أخرى، (غير) ٧ واقعة عدي - رضي الله عنه - وهي متقدمة على قصة عدي. والله أعلم.

١٨- ومنها: ما في الصحيحين - أيضا - من طريق الليث بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: "حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أنه رأى في يد النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق، يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم من ورق، ولبسوها، فطرح النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم". قال البخاري: "وتابعه إبراهيم بن سعد، وزياد - يعني ابن سعد- وشعيب - يعني ابن أبي حمزة- عن الزهري ٨، وأسنده مسلم من طريق إبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد ٩، بهذا اللفظ، قال القاضي عياض: "قال جميع أهل الحديث: "هذا وهم من ابن شهاب، فوهم من "خاتم الذه"ب إلى "خاتم الفضة". والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب، اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - خاتم فضة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي


١ أنه كان أحدهم يربط خيطا أسود، وآخر أبيض في رجله، فإذا تميز له أحدهما عن الآخر، أمسك عن الأكل والشرب. (ص ٤/١٣٢، ٨/١٨٢) . فيحصل توافق في الفهم بين عدي - المتأخر عن وقت نزول الآية - وبين بعض الصحابة حين نزول الآية.
٢ يعني رواية حصين، عن الشعبي، عن عدي قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} .
٣ ١٦/أ.
٤ في الأصل: "سليمان" وهو خطأ.
٥ الآية ١٨٧ من سورة البقرة.
٦ صف ١٣٢١٤، ٨/١٨٢،١٨٩، م ٢/٧٦٧.
٧ في الأصل: "عن", والصواب ما أثبت، فقصة عدي متأخرة عن نزول الآية.
٨ صف ١٠/٣١٨.
٩ م ٣/١٦٥٧،١٦٥٨.

<<  <   >  >>