للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العواصم وأقيمت الحاميات لصد هجمات الأعداء المفاجئة١.

وتطور الدفاع عن بلاد المسلمين والجهاد في سبيل الله بإقامة الربط لحماية الثغور، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله ثم صار لزوم النفر رباط، وأصل الرباط ما تربط فيه الخيول وأن كل ثغر يدفع عمن وراءهم، والمدافع المجاهد يدافع عمن وراءه، والمقيم في الرباط على طاعة الله يدفع بدعائه البلاء عن العباد والبلاد٢ وعند ابن تيمية أن المقام في ثغور المسلمين أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة لأن الرباط من جنس الجهاد، والمجاورة غايتها أن تكون من جنس الحج٣ قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ٤ وفي الحديث "رباط يوم وليلة (في سبيل الله) خير من صيام شهر وقيامه"٥.

ولم يكن المسلمون في أول عهدهم يرغبون في ركوب البحر، ولم يأذن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لعماله بذلك، ولكن في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنشأ أول أسطول إسلامي، فقد أذن لمعاوية بن أبي سفيان في غزو الروم بحراًَ، على ألا يحمل الناس على ركوب البحر كرهاً، فبرع المسلمون في ركوب البحر، وخاضوا المعارك فيه ورتب معاوية بن أبي سفيان الشواني والصوائف لغزو الروم. وبعث عبد الملك بن مروان لما ولي الخلافة إلى عامله على أفريقية حسان بن النعمان يأمره باتخاذ صناعة بتونس لإنشاء الآلات البحرية٦ وعلل المقريزي امتناع المسلمين من ركوب البحر للغز وفي أول الأمر لبداوتهم ولم يكونوا مهرة من ثقافته وركوبه، وكان الروم والفرنجة قد تمرسوا عليه لكثرة ركوبهم له. وعندما استقر أمر المسلمين تقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعتهم، واستخدموا من النواتية في البحرية أمماً وتكررت ممارستهم البحر وثقافته فتاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه، وأنشأوا السفن والشواني وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، واختصوا بذلك من ممالكهم


١ حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي، ج١، ص ٤٧٨ (النهضة المصرية، ط ٧، ١٩٦٤) .
٢ المقريزي، تقي الدين أبى العباس، المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار، ج ٢ ص ٤٢٧ (بيروت، دار صادر) .
٣ ابن تيمية، المصدر السابق، ج ٢٨ ص ٥.
٤ سورة التوبة، آية ١٩.
٥ أحمد بن حنبل، المسند، ج ٥/ ٤٤٠.
٦ المقريزي، المصدر السابق، ج ٢ ص ١٩٠.

<<  <   >  >>