إلى عملهما، وعند خروجهما بالكتاب يومئذ لابن يسار بهما، كان مدلا عليه، يسألهما بره وجزاءه على ما تهيأ لهما عند مولاه، فخلع لجام مبارك عن رأس فرسه وقد كان ركبه، فخره فضيحة لا يقدر على حركة، ثم بعد لأي ما رده؛ فلم تمض إلا مديدة وضرب الدهر ضربانه، فقضى لمبارك بالإمارة هنالك، ونالت ابن يسار الوزير المذكور محنة قرطبة بعد ذلك، فجال النواحي، وأم مباركا هذا لا يشك في معرفته بمنزلته، وحرصه على مبرته، فحل بلنسية، فو الله ما أنصفه في اللقاء فضلا عن القرى.
ثم بلغ من سياسة هذين العبدين الفدمين، مبارك ومظفر، في مدة إمارتهما إلى أن تقارضا من صحة الألفة فيها طول حياتهما بما فاتا في معناهما أشقاء الأخوة وعشاق [٣أ] الأحبة: فنزلا يومئذ معا في سلطانهما قصر الإمارة مختلطين، يجمعهما في أكثر أوقاتهما مائدة واحدة، ولا يتميز أحدهما عن الآخر في عظيم ما يستعملانه من كسوة وحلية وفراش ومركوب وآلة، ولا ينفردان إلا في الحرم خاصة. على أن جماعة حرمهما كن مختلطات في منازل القصر، ومستويات في سائر الأمر، مع أن لمبارك كان التقدم في المخاطبة هنالك في حقيقة رسوم الإمارة، لفضل صرامة ونكراء كانتا فيه، يقصر فيهما لدماثة خلقه وانحطاطه لصاحبه في سائر أمره، ورضاه بكل فعله، على زيادة مظفر - زعموا - عليه ببعض كتابة ساذجة وفروسية. وبلغت جبايتهما لأول أيامهما إلى مائة وعشرون ألف دينار في الشهر: سبعون ببلنسية وخمسون بشاطبة، فيستخرجونها بأشد العنف من