السلطان ولا خدمه، وكان واسع اليد بالمشاركة، آوى صنوف الجالية من قرطبة عند احتدام الفتنة، وكان معلوماً بوفور العقل وسبوغ العلم والركانة، مع الدهاء وبعد النظر وإصابة القرطسة.
فأما ذو الوزارتين أبو القاسم ابنه فأدرك متمهلاً، وسما بعد إلى بلوغ الغاية فخلط ما شاء وركب الجراثم الصعبة، وكان القاسم بن حمود قد اصطنعه بعد مهلك أبيه إسماعيل، ورد عليه ميراثه من قضاء بلده بعد بعده عنه مدة، [٢ب] وحصل منه بمنزلة الثقة، فخانه تخون الأيام عند إدبارها عنه، إيثاراً للحزم وطلباً للعافية، فصده عن إشبيلية بلده لما قصده من قرطبة مفلولاً؛ وكان الذي وطد له ذلك نفر من أكابرها المرتسمين بالوزارة، مناغين في ذلك لوزراء قرطبة، على تحميلهم لابن عباد كبر ذلك، لإنافته عليه في الحال وسعة النعمة، وإحسائهم عليه ملك ثلث إشبيلية ضيعةً وغلةً، يخادعونه بذلك عن نشبه، إبقاءً منهم على نعمهم، وهو يشتري بذلك أنفسهم ولا يشعرون، إلى أن وقعوا في الهوة، وكانوا جماعةً منهم بنو أبي بكر الزبيدي النحوي وبنو يريم صنائع ابن عاد وغيرهم، راض بهم الأمور واستمال العامة، فلما توطأت له قبض أيدي أصحابه هؤلاء، وسما بنفسه فأسقط جماعتهم