للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا بأنفسهم وأنهم فيما قالوا وفعلوا غير صادقين فلهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، فهذه الحيلة هي رأس الحيل المحرمة ظاهرها الطاعة وباطنها المعصية.

ثانياً: وقال تعالى في سورة البقرة في قصة أصحاب السبت {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ١.

وقد فصل الله تعالى هذه القصة في سورة الأعراف فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ٢، وخلاصة هذه القصة ما ذكره المفسرون سلفاً وخلفاً أن الله أمر اليهود أن يكون عيدهم الجمعة من كل أسبوع على ما هو ثابت في شريعتنا فأبوا إلا السبت فأجيبوا إلى ما طلبوا وأمروا أن يتفرغوا فيه للعبادة وحرم الله عليهم صيد السمك فيه، ثم ابتلاهم الله سبحانه فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً، ظاهرة على وجه الماء فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل اليحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت الذي بعده وهكذا كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} (أعراف: من الآية١٦٣) ، وقد مكثوا مدة لا يصيدونها في ذلك اليوم كما أمرهم الله، ثم اشتهتها أنفسهم فاحتالوا للاصطياد في السبت بصورة الاصطياد في غيره بشتى الحيل التي ظاهرها الامتثال وباطنها التمرد والعصيان، حتى إذا فشا فيهم ذلك المنكر علانية نصحهم أحبارهم ورهبانهم وأبلغوا في النصح فلم يقبلوا منهم فانقسم هؤلاء الناصحون إلى فرقتين: فرقة كفت عن النهي لعلمها بحال القوم ويأسها من هدايتهم، وفرقة استمرت على نهيهم وتذكيرهم حماسة في دين الله وحرصاً على هداية المعتدين حتى قالت لهم الطائفة التي نهت وكفت عن النهي {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} (لأعراف: من الآية١٦٤) وهو سؤال استفسار فأجابت الطائفة التي استمرت على التذكير بما حكاه الله عنها {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (لأعراف: من الآية١٦٤) ومع ذلك لم يجدهم التذكير نفعاً واستمروا على الاعتداء {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} (لأعراف: من الآية١٦٥) وهم الطائفتان التي نصحت وكفت والتي نصحت ولم تكف عن النصح: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ


١ الآية ٦٥ من سورة البقرة.
٢ لآية ١٦٣ من سورة الأعراف.

<<  <   >  >>