للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفصل السابع: أمثلة للحيل الجائزة

علمت مما تقدم ضوابط الحيل المحظورة وهي ما ناقض مصلحة شرعية أو هدم أصلاً شرعياً، فإذا كانت الحيلة لا تهدم أصلاً ولا تناقض مصلحة من الشرع فهي غير داخلة في النهي، وربما حصل خلاف بين بعض الفقهاء في بعض مسائل من الحيل مما لم يتضح فيه دليل أنه من النوع المحظور أو النوع المباح فاختلفت آراؤهم وتباينت أنظارهم لذلك.

فالضابط العام في الحيل الجائز ما كان المقصود بها إحياء حق أو دفع ظلم أو فعل واجب أوترك محرم، أو إحقاق حق، أو إبطال باطل، ونحو ذلك مما يحقق مقاصد الشارع. وإليك مسائل مختارة من الحيل الجائزة ومن أدلتها وشواهدها من الكتاب والسنة:

أولا: الكتاب:

١- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ١.

قلت: في الآية الكريمة دليل على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف أو المتحيز، وأنه من كبائر الذنوب كما جاء في الحديث، قال العلماء: هذا إذا لم يكن العدو أكثر من الضعف، لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} ٢، أما إذا كانوا أكثر فالثبات مستحب والفرار جائز فليست الآية باقية على عمومها، قال الشافعي رحمه الله: " إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة "٣.

ووجه دلالة الآية على الحيلة أن كلا من التحرف والتحيز حيلة ظاهرها الهزيمة والفرار وباطنها والمقصود منها التمكن من الكفار على أبلغ وجه، وذلك إما بالكر بعد الفر، وإما بتقوية الانحياز إلى الفئة الأخرى حتى يكون النصر أرجى.


١ الآية من ١٥-١٦ من سورة الأنفال.
٢ الآية ٦٦ من سورة الأنفال.
٣ الأم جـ ٤ ص ٩٢.

<<  <   >  >>