للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مناقشة الأشاعرة بالأدلة العقلية:

ومن وصل إلى هذا المستوى من الإعراض، قلّما تجدي معه المناقشة، فلنترك المعتزلة إذاً لنعود لمناقشة الأشاعرة لقربهم من الصواب نوعاً ما، وعلى الرغم مما نقوله، ويقوله غيرنا من أن الأشاعرة يعدون من المثبتة، أو من الصفاتية، لإثباتهم كثيراً من الصفات الذاتية التي يسمونها - في اصطلاحهم- صفات المعاني وغيرها. على الرغم من هذا النوع من الإثبات، فإنهم وافقوا المعتزلة في تأويل الصفات الخبرية١، ذاتية أو فعلية فبذلك وقعوا في تناقض لم يقع فيه أحد لا من المثبتة ولا من النفاة، لأنهم فرقوا بين ما جمع الله في كتابه، أو فيما أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، فتراهم يثبتون السمع والبصر مثلاً، ولا يخطر ببالهم شيء من لوازم سمع وبصر المخلوقين، بل يزعمون أنهم يثبتون هذه الصفات على ما يليق بالله، فما هو المانع العقلي إذاً من إثبات الوجه، واليدين، وغيرهما مما أوجبوا التأويل فيه من الصفات على ما يليق بالله؟!! فما المانع أن نثبت لله وجهاً يليق به، واستواء يليق به دون التفات إلى لوازم وجه المخلوق، ومجيء المخلوق، واستوائه؟!! وما الذي يمنعهم أن يثبتوا جميع الصفات الثابتة بالأدلة النقلية دون أن يفرقوا بينها؟!! في ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، والآية جمعت بين التنزيه والإثبات كما ترى ومعها آيات أخرى كثيرة في هذا المعنى، هل لعدم الثقة في كلام الله، وكلام رسوله مع الثقة الكاملة فيما يقوله الشيوخ؟!! فادعوا وجوب تأويل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}


١ تأويلاً يفضي إلى نفي الصفة بحيث لا يثبت إلا لازم الصفة – كقولهم: المراد بالرحمة الإنعام مثلاً، والإنعام ليس هو الصفة، وإنما هو لازم الصفة، وهكذا في جميع الصفات الخبرية والفعلية.

<<  <   >  >>