للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما الخلف فقد تكلفوا في تأويل هذا الحديث أكثر من تكلفهم في تأويل أي نص آخر من نصوص الصفات، فتكلفهم هنا يشبه تكلف القرامطة في نصوص المعاد، بل لجميع نصوص الشريعة.

فزعم المتكلمون الخلف هنا أن الحديث -كغيره من نصوص الصفات - يؤول بما يليق بالله - يا سبحان الله - فمتى دلت النصوص بظاهرها على ما لا يليق بالله لو فهمت؟!!

فقال بعضهم: المراد بالقدم هنا المتقدم ومعناه حتى يضع الله تعالى١ فيها ما قدمه لها من أهل العذاب!!

وأنت تلاحظ أن هذا التأويل التقليدي لم يمكنهم من الانتباه للضمير (قدمه) أو (رجله) وأن الذي لا يختلف فيه أهل العلم أن الإضافة تخصص الصفة للموصوف، بمعنى إذا قلنا: علم الله وقدرة الله مثلاً، فلا يشترك علم المخلوق أو قدرته في علم الله المختص بالإضافة بأي نوع من أنواع المشاركة وكذلك قدرته، لأن الاشتراك لا يقع إلا في المطلق الكلي غير المختص لا بالمخلوق ولا بالخالق. وكذلك يقال هنا لأن القدم لم ترد إلا مضافة مختصة ولا يشترك معها شيء من أقدام خلقه، ولا مشابهة بينهما - وهذا التأويل الذي تورط فيه أتباع الفلاسفة لم يفطن لهذا المعنى، وعدم التفطن لهذا المعنى هو سر تخبطهم في جميع الصفات الخبرية والفعلية، وهي قاعدة٢ لو علموها لعالجت لهم جميع مشاكلهم وقضت على تخبطاتهم الكثيرة.

وأما الرواية التي فيها: "حتى يضع الله فيها رجله " فقد حاولوا فيها أولاً تضعيف الحديث ليريحوا أنفسهم من ذلك التأويل المستكره والمستنكر ولكنهم لم يفلحوا، لأن الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه.

قال الإمام النووي: "فقد زعم ابن فورك أن هذه الرواية غير ثابتة عند أهل النقل،


١ راجع الأسماء والصفات للبيهقي، وشرح النووي على مسلم.
٢ وقد حقق هذه القاعدة وأوضحها شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية ص:٨٠.

<<  <   >  >>