للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حيث أضيف النظر إلى الوجه الذي هو محل البصر، وقد فهم هذا المعنى من الآية علماء السلف قاطبة دون أن يشذ منهم أحد، وسوف نتحدث عن موقفهم وفقههم إن شاء الله.

الآية الثانية قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ١، والملاحظ أن هذه الآية من أدلة نفاة الرؤية إلا أن بعض المحققين يرى - ورأيه هو الصواب- أن الآية دلالتها على جواز الرؤية أوضح، بل لا تدل على امتناع الرؤية إلا بنوع من التكلف والتحريف، لأن الله تعالى ذكر هذا الخبر في سياق التمدح. ومن المعلوم بالضرورة وبالنظر السليم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية.

وقد ذكرنا في غير موضعه - نقلاً عن بعض أهل العلم: أن العدم المحض ليس فيه مدح لأنه ليس بكمال. وإنما يكون العدم مدحاً إذا تضمن أمراً وجودياً مثل تمدحه سبحانه بنفي السِّنَة والنوم، لأنه يتضمن كمال القَيّوميّة ونفي الموت لأنه يتضمن كمال الحياة، وهكذا جميع الصفات السلبية التي تَمَدّح الله بها تتضمن أمراً وجودياً على ما شرحنا. ففي هذه المسألة إنما تمدح الله بعدم إدراك أبصار العباد وإحاطتهم به لا بعدم الرؤية، لأنه لو كان لا يُرى لشارك سبحانه العدم وهو الذي لا يُرى، ومشاركة العدم ليست بكمال وليس فيها مدح، بل في ذلك من الانتقاص ما لا يدركه النفاة لجهلهم أو تجاهلهم، وإذا كان من الواجب تنزيه الله عن مشاركة أي مخلوق موجود ومشابهته فيما يختص به ذلك المخلوق فكيف يستسيغ النفاة مشاركة الله للعدم الصرف في خصائصه وهو عدم الرؤية؟ والله المستعان.

وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} إنما يدل على غاية عظمته وهي أنه تعالى أكبر من كل شيء، وأنه لعظمته لا يدرك ولا يحاط به فإن الإدراك


١ سورة الأنعام آية: ١٠٣.

<<  <   >  >>