للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية. ويشهد لما ذكرنا قوله تعالى حكاية للحوار الذي جرى بين موسى وقومه المؤمنين عندما رأوا فرعون وجنوده من مكان بعيد: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلاَّ} ١، ومعلوم من السياق أنه لم ينف الرؤية - وهي واقعة بالفعل- كما أنهم لم يريدوا بقولهم {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} ، إما لمرئيُّون، ولكنهم كانوا قد خافوا أن هذا الجبار صار بمقربة منهم حتى رأوه سيدركهم ويلحق بهم ويؤذيهم، وهذا المعنى هو الذي نفاه موسى بقوله {كَلاَّ} ، وقد وعده ربه سبحانه أنه لا يخاف دركاً ولا يخشى، إذ يقول سبحانه: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى} ٢.

ومما يذكره بعض أهل العلم بهذا الصدد أن الرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يُرى ولا يُدرك. كما أنه يُعلَم ولا يحاط به علماً، وهذا هو الذي فهمه السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المشهور لهم بالإمامة، قال ابن عباس رضي الله عنه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لا تحيط به الأبصار. قال قتادة: هو أعظم من أن تدركه الأبصار. قال عطية العوفي التابعي: ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم ثم تلا قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ، الآية. ويعني العوفي أن هذا معنى الآية وتفسيرها. ولذلك قال رحمه الله: فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عياناً ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها تحيط به سبحانه إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بأن شيئاً يحيط به. أما هو سبحانه بكل شيء محيط. وهكذا يُسمِعُ كلامه من شاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه، وهكذا يَعلم الخلق ما علّمهم ولا


١ سورة الشعراء آية: ٦١، ٦٢.
٢ سورة طه آية: ٧٧.

<<  <   >  >>