قلنا في جواب آخر: إن كان المسيح إنما صار ابن الله لأن الله خلقه من غير ذكر، فآدم وحواء إذ كانا من غير ذكر وأنثى أحق بذلك، إن كانت العلة في اتخاذه ولداً أنه خلقه من غير ذكر.
وإن كان ذلك لمكان التربية فهل رباه إلا كما ربى موسى، وداود، وجميع الأنبياء. وهل تأويل: رباه إلا غذاه، ورزقه، وأطعمه، وسقاه، فقد فعل ذلك بجميع الناس. ولم سميتم سقيه لهم وإطعامه إياهم تربية؟ ولم رباه وأنتم لا تريدون إلا غذاه ورزقه، وهو لم يحضنه، ولم يباشر تقليبه، ولم يتول بنفسه سقيه وإطعامه، فيكون ذلك سبباً له دون غيره، وإنما سقاه لبن أمه في صغره، وغذاه بالحبوب والماء في كبره.
فصل منه
والأعجوبة في آدم عليه السلام أبدع، وتربيته أكرم، ومنقلبه أعلى وأشرف، إذ كانت السماء داره، والجنة منزله، والملائكة خدامه. بل هو المقدم بالسجود، والسجود أشد الخضوع. وإن كان بحسن التعليم والتثقيف؛ فمن كان الله تعالى يخاطبه، ويتولى مناجاته دون أن يرسل إليه ملائكته ويبعث إليه رسله، أقرب منزلة، وأشرف مرتبة، وأحق بشرف التأديب وفضيلة التعليم.