وهل رأيتم ملكين أو سيدين في جاهلية أو إسلام، من العرب جميعاً أو من العجم، لا يتحيف أحدهما من سلطان صاحبه ولا ينهك أطرافه، ولا يساجله الحروب؛ إذ كل واحد منهما يطمع في حد صاحبه وطرفه، لتقارب الحال، واستواء القري. كما جاءت الأخبار عن ملوك الطوائف كيف كانت الحروب راكدة وأمرهم مريج، والناس نهب، ليس ثغر إلا معطل، ولا طرف إلا منكشف، والناس فيما بينهم مشغولون بأنفسهم، ملوكهم من عز بز، مع إنفاق المال، وشغل البال، وشدة الخطار بالجميع، والتغرير بالكل.
فصل منه
وإن قالوا: فما صفة أفضلهم؟ قلنا: أن يكون أقوى طبائعه عقله، ثم يصل قوة عقله بشدة الفحص وكثرة السماع، ثم يصل شدة فحصه وكثرة سماعه بحسن العادة. فإذا جمع إلى قوة عقله علماً، وإلى علمه حزماً، وإلى حزمه عزماً، فذلك الذي لا بعده.
وقد يكون الرجل دونه في أمور وهو يستحق مرتبة الإمامة، ومنزلة الخلافة، غير أنه على حال لا بد من أن يكون أفضل أهل دهره. لأن من التعظيم لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقام فيه إلا أشبه