للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وخوف الإخوان، وفيما تجاوزه عز الغنى وأمن العدم. وبهذا وبمثله من ومن البخل والحرص استخفت من احتاج إليها، وأعظمت من استغنى عنها. وجعلها تواقة مشتاقة، متطرفة ملالة، كثيرة النزاع والتقلب، تستحكم عليها الفتنة، ويبلى خيرها من شرها وصبرها من جزعها. ولولا هذه الخلال سقطت المحن، فهي تعظم القليل بالضرورة إليه إن كان من أقواتها، أو لشدة النزاع والشوق إن كان من طرف شهواتها؛ فإن صنوف الشهوات كثيرة، ولكل صنفٍ منها أهل لا يحلفون بما سواه. وتتعجب من الغريب النادر، ويضحكها البديع الطارئ. إلا أنه إذا كثر الغريب صار قريباً، وإذا تجاوز المطلوب مقدار وسعها وحاجاتها فصار ظهرياً وفضلاً استخفت به وقل في أعينها كثيره. وأعظم الأشياء عندها قدراً ما اشتد إليه الفقر والحاجة وإن قل قدره، وأهونها عليها ما استغنى عنه وإن عظم خطره. وجعل لما تتوق إليه وتشتاقه مكاناً من قواها، له. فإذا امتلأ ذلك المكان سروراً، وقضى ذلك الأرب وطراً مما كان طمح إليه، وروى مما كان ظامئاً إليه، انصرف عنه وقلاه، وحال عشقه بغضاً، وشوقه ملالاً.

والعلة في ذلك أن الدنيا دار زوالٍ وملال، ليس في كيانها أن تثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>