وأما الحرص على الممنوع الذي لا ينتفع به، والعجب مما يتعجب من مثله، فليس من أخلاق العقلاء. وما لم يكن في أخلاقهم فلا نظر فيه ولا قياس عليه، وإنما ذلك فعل من استوحش من الحجة، وشرد عن علم العلل والأسباب.
وإفشاء السر إنما يوكل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سر الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضاد، والولاية والعداوة. ومثل سر الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم، ثم من يليهم من العظماء والجلة؛ لنفاسة العوام على الملوك، وأنهم سماءٌ مظلة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان؛ فإنما صارت العداوة بعد المودة أشد لاطلاع الصديق على سر صديقه، وإحصائه معايبه، وربما كان في حال الصداقة يجمع عليه السقطات ويحصي العيوب، ويحتفظ بالرقاع؛ إرصاداً ليوم النبوة، وإعاداً لحال الصريمة.
وقد شكا بعض الملوك تنقيب العوام عن أسرار الملوك فقال: