وقال بعض الحكماء: لو لم يكن للصامت في صمته إلا الكفاية لأن يتكلَّم بكلام ويُحكى عنه محرَّفا فيُضطرَّ إلى أن يقول: ليس هكذا قلت، إنما قلتُ كذا وكذا. فيكون إنكاره إقراراً، واعترافه بما حُكى عنه شاهداً لمن وشى به، وادعاءً لتحريفٍ غير مقبول منه إلا أن يأتي ببينة له لكان ذلك من أكثر فضائل الصَّمت.
وربما ذكر رجلٌ الله تبارك وتعالى، فكان ذلك الذكر إثماً له، لأنه قد يُدخله في باب تفخيم الذنب الحقير والإغراء والتحريض، فيسفك الدم الحرام، أو يعظِّم الجرح الصغير. بل ربما ضحك وتبسَّم، فأغْرَى وحرَّض، وأثم وأوبق. قال بعض الشعراء:
فإن شئت أدلى فيكما غير واحدٍ ... مجاهرةً أو قال عندي في سرِّ
فإنْ أنا لم آمُرْ ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلجَّ ويستشرى
وقالت العرب:" من كُفِيَ شرَّ لقلقه وذبذبه وقبقبه فقد كُفِيَ الشرّ ".
وهذا بابٌ لولا أن نشغل القارئ لهذا الكتاب بغير ما قصدنا إليه وعزمنا عليه لأتينا عليه. وهو كثير موجودٌ لمن طلبه، وجملةٌ واحدة فيها