كفاية؛ فإنما تختلف الألفاظ التي تُجعل كسوةً لتلك المعاني. وإلا فإنّك إذا نظرت إلى جميع شرور الدنيا وجدت أولها كلمة عارت فجنت حرباً عوناً. كحرب بكر وتغلب ابنى وائل، وعبسٍ وذبيان ابنى بغيض، والأوس والخزرج ابنى قَيْلة، والفِجار الأول والثاني، وعامة حروب العرب والعجم.
وإذا تأملت أخبار الماضين لم تُحص عدد من قتله لسانه وكان هلاكه في كلمةٍ بدرت منه.
وليس العجب ممن أفضى بسرِّه إلى من ليس له بموضعٍ، ممَّن تقدَّمت معرفته وزالت الشكوك عنه في أمره؛ ولكنَّ العجب عين العجب ممن استنام بسرِّه إلى من لم تقدم معرفته ومن أنس إليه عن اللِّقاءة واللِّقاءتين، دون معرفة العين والاسم، والسبب والنسب، فانخدع في أوّل وهلة وغُبِن عقله قبل أن يُغبَن دينه وماله، وتضاعفت عليه البليّة بطول الحسرة؛ فإنَّ البلاء عارضٌ ومكتسب، فكان العارض السَّماوى وما خوَّلته الأقدار سرّاً بعد اجتهاد صاحبه رأيه، وحيلته في طلب الخير. وصواب تدبيره فيه أسهل وأيسر على العاقل المعتاد للصواب، وإن كان كل مكروه مرّاً بشعاً. وإنما الكرب اللازم والداء العياء ما اجتمع على صاحبه مع الفجيعة والحاجة، والنَّقص والذِّلّة، غمُّ النَّدامة والأسف على ما فرط منه؛ إذ كان الجانى على نفسه بيده.