وأكلت رأس الجنيد بن حاق الأشيم، وأحبلت ابن ألغز من إفراط الشبق، لما كان ينبغي لك أن تعاملنا بهذه المعاملة، ولا كان ينبغي أن تقتلنا هذه القتلة، ولو اقتصرت من العقوبة على شيء دون شيء لكان أعدل، ولو عفوت البتة لكان أمثل.
إنَّ الاعتزام على قليل العقاب يدعو إلى كثيره، ومبتدئ العقاب بعرض لجاج. وليس يعاقب إلا غضبان.
والغضب يغلب العزم على قدر ما مكن، ويحيّر اللب بقدر ما سُلِّط.
والغضب يصوّر لصاحبه مثل ما يصوّر السكر لأهله.
والغضبان يشعله الغضب، ويغلي به الغيظ، وتستفرغه الحركة، ويمتلئ بدنه رعدة، وتتزايل أخلاطه، وتنحل عقده، ولا يعتريه من الخواطر إلا ما يزيده في دائه، ولا يسمع من جليسه إلا ما يكون مادةً لفساده. وعلى أنَّه ربَّما استفرغ حتى لا يسمع، واحترق حتى لا يفهم.
ولولا أنَّ الشيطان يريد ألا يخلو من عمله، ولا يقصِّر في عادته، لما وسوس إلى غضبان ولا زيَّن له، ولما فتح عليه؛ إذ كان قد كفاه، وبلغ أقصى مناه.
وليس يصارع الغضب أيام شبابه وغرب نابه شيءٌ إلا صرعه، ولا ينازعه قبل انتهائه وإدباره شيءٌ إلا قهره. وإنما يحتال له قبل هيجه،