وكان من أسباب دفْعي إليك هذا الكتاب - أبقاك الله - دون أبي عبد الله أكرمه الله، أنكما قد تجريان في بعض الأمور مجرىً واحداً، ولأنك وإنْ كنت كثير الشُّغل فهو أقلُّ فراغاً منك على كثرة شُغلك، وفرط عنايتك بما استكفاك واسرعاك. وإنْ جعلت لي قسماً من وقت فراغك، ونصيباً من ساعة نشاطك. رجوت أن يصير إلى ما أمَّلناه عندك من الإنعام عليّ، والاسترهان لشكري؛ فإنَّ العرب لم تعظِّم شيئاً قطُّ كتعظيمها موقع الإنعام والشكر والأحدوثة الحسنة، والذكر والتمييز، والاستمداد للنعم، والكفر حائل بين العّوْد والبدْء.
قال عنترة:
نِّبيت بشراً غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثةٌ لنفس المنعم
وقال السِّنديُّ:
فلم أُجز بُالحسنى وعادت مشاربي ... بلاقع يقروها الحمام المُقرقرُ
تبدَّلت بالإحسان سوءاً وربما ... تنكَّر للمعروف من كان يكفر