وربما ألفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري، وأحيله على من تقدمني عصره مثل ابن المقفع والخليل، وسلْم صاحب بيت الحكمة، ويحيى بن خالد، والعتّابيّ، ومن أشبه هؤلاء من مؤلِّفي الكتب، فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب، لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته عليّ، ويكتبونه بخطوطهم، ويصيِّرونه إماماً يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدّبون به، ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عنيِّ لغيرهم من طلاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رياسة، ويأتمُّ بهم قومٌ فيه؛ لأنه لم يترجم باسمي، ولم يُنسب إلى تأليفي.
ولربما خرج الكتاب من تحت يدي مُحصفاً كأنه متن حجرٍ أملس، بمعانٍ لطيفةٍ محكمةٍ، وألفاظ شريفة فصيحة، فأخاف عليه طعن الحاسدين إنْ أنا نسبته إلى نفسي، وأحسد عليه من
أهمُّ بنسبته إليه لجودة نظامه وحسن كلامه، فأُظهره مُبْهماً غُفلاً في أعراض أصول الكتب التي لا يُعرف وُضّاعها، فينهالون عليه انهيال الرَّمْل، ويستبقون إلى قراءته سباق الخيل يوم الحلْبة إلى غايتها.
وحسد الجاهل أهون شوكةً وأذلُّ محنا، من حسد العارف الفطن؛ لأن الحاسد الجاهل يبتدر إلى الطعن على الكتاب في أوّل وهلة يُقرأ عليه، من