قبل استتمام قراءته ورقةً واحدة؛ ثم لا يرضى بأيسر الطعن وأخفه حتى يبلغ منه إلى أشده وأغلظه، من قبل أن يقف على فصوله وحدوده. وليس ثلْبه مفسَّرَّاً مفصَّلا، ولكنه يُجمل ذلك ويقول: هذا خطأ من أوله إلى آخره، وباطل من ابتدائه إلى انقضائه، ويحسب أنه كلما ازداد إغراقاً وطعناً وإطناباً في الحمْل على واضع الكتاب، كان ذلك أقرب إلى القبول منه. وهو لا يعلم أن المستمع إليه إذا ظهر منه على هذه المنزلة استخف به، وبكتّه بالجهل، وعلم أنه قد حكم من غير استبراء، وقضى بغير روية، فسقط عنه وبطل.
والحاسد العارف الذي فيه تقيَّة ومعه مُسكة، وبه طَعْمٌ أو حياة، إذا أراد أن يغتال الكتاب ويحتال في إسقاطه، تصفح أوراقه ووقف على حدوده ومفاصله، وردد فيه بصره وراجع فكره، وأظهر عند السيد الذي هو بحضرته وجلسائه، من التثبُّت والتأني حِبالةً يقتنص بها قلوبهم، وسبباً يسترعي به ألبابهم، وسُلماً يرتقي به إلى مراده منهم، وبساطاً يفرش عليه مصارع الخُدع. فيوهم به القصد إلى الحق والاجتباء له. فربما استرعى بهذه المخاتل والخدع قلب السيد الحازم.
فمن أعظم البلايا وأكبر المصائب على مؤلِّفي الكتب إذا كان العارض