لها على السيد الذي منه تُرجى أثمانها، وعنده تنفق بضائع أهلها، على هذه الصِّفة التي وصفتُها من الحسد والحذق بأسبابه، والمعرفة بالوجوه التي تثلم المحسود وتهدُّه، وتضع منه ومن كتبه. لا سيما إنْ كان مع استبطان الحسد واستعمال الدهاء والذكاء جليساً لازماً، وتابعاً لا يفارق، ومحدِّثاً لا يريم، وليست له رعةٌ تحجره عن الباطل، ولا معه حذرٌ يبعثه على الفكر في العواقب؛ فإن هذا ربما وافق فترة السيد ترداد الكلام، وكثرة تكراره عليه، من تأكيد خطائه، ونصرته قوله، وذياده عنه، واحتجاجه فيه، فيؤثر في قلبه، ويضجِّع رأيه. فليس للسيد الذي يحبُّ أن تصير إليه الأمور على حقائقها، وتُصوَّر له الأشياء على هيئاتها، حيلةٌ في ذلك إلا حسم مادة هذا من أهل الحسد، بالإعراض عنهم، والاحتجاز دونهم.
وربما بلغ من الحاسد جهد الحسد إذا لم يُعمل بشهوته، ولم تنفذ سهام لطائفه، أن يقرَّ على نفسه بالخطأ، ويعترف أن الطَّعن الذي كان منه في الكتاب عن سهوٍ وغفلة، وأنه لم يكن بلغ منه في الاستقصاء ما أراد، وكان مشغول الفكر مقسم الذهن، فلما فرغ له ذهنه وانفرد له همُّه راجع ما كان بدر منه، لتُظنَّ به الرِّعة، ويقال إنه لم يرجع عن قوله واعترف بالخطأ إلا من عقل وازع، ودينٍ خالص. وإنما ذلك حيلةٌ منه ودهاءٌ