للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقطعهم ما هم فيه عن التشاغل بالحديث، وتفسخ كل شيءٍ من شدة الحر، وخمد كل شيء من شدة البرد، وتمنى كل جليد القوى على طول السرى أن تطوى له الأرض، وكلما رأى خيالاً أو أبصر علماً سر به واستبشر، وظن أنه قد بلغ المنزل؛ فإذا بلغه الفارس نزل وهو متفحج كأنه صبيٌّ محقون، يئن أنين المريض، ويستريح إلى التثاؤب، ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع. وترى التركي في تلك الحال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه كثرة النزع، يرى قرب المنزل عيراً أو ظبياً، أو عرض له ثعلب أو أرنب، خيركض ركض مبتدئ مستأنف، كأن الذي سار ذلك السير وتعب ذلك التعب غيره.

وإن بلغ الناس وادياً فازدحموا على مسلكه أو على قنطرته، بطن برذونه فأقحمه ثم طلع من الجانب الآخر كأنه كوكب. وإن انتهوا إلى عقبةٍ صعبةٍ ترك السنن وذهب في الجبل صعداً، ثم تدلى من موضع يعجز

<<  <  ج: ص:  >  >>