أراك تُراعُ حين ترى خيالي ... فما هذا يروعُك من خيالي
لعلك خائف منِّي سؤالاً ... ألا فلك الأمان من السُّؤال
كفيتُك إنَّ حالك لم تمل بي ... لأطلب مثلها بدلاً بحالي
وإنَّ العُسْر مثل اليسر عندي ... بأيِّهما مُنيت فما أُبالي
فلما قرأ يحيى بن خاقان رُقْعته ووثق بأمانه من السُّؤال أذن له، فخرج الحاجب فوجده قد انصرف، ولم يَعُدْ إليه، ولا التقيا بعد ذلك.
وجلس الجاحظ يوماً في بعض الدواوين، فتأمَّل الكتَّاب فقال: خلقٌ حلوة، وشمائل معشوقة، وتظرُّف أهل الفهم، ووقار أهل العلم، فإن ألقيت عليهم الإخلاص وجدتهم كالزَّبد يذْهب جُفاءً، وكنْبتة الربيع يُحرقها الهيْف من الرياح؛ لا يستندون من العلم إلى وثيقةٍ، ولا يدينون بحقيقةٍ؛ أخفر الخلق لأماناتهم، وأشراهم بالثمن الخسيس لعهودهم؛ الويل لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون.
ثم وصف أصحاب الصناعات، وذكر تعاطف أهلها على نظرائهم، وتعصُّب رجالها على غيرهم فقال: