لا أعلم أهل صناعة إلا وهم يجْرون في ذلك إلى غاية محمودة، ويأتون منه آيةً مذكورة، إلا الكُتَّاب، فإنَّ أحدهم يتحاذق عند نظرائه بالاستقصاء على مثله، ويسترجح رأيه إذا بلغ في نكاية رجلٍ من أهل صناعته.
ثم ضرب لهم في ذلك مثلاً، ثم قال: هم كالهرمة من الكلاب في مرابضها، يمرُّ بها أصناف الناس فلا تحرَّكُ، وإن مرَّ كلبٌ مثلها نهضت إليه بأجمعها حتّى تقتله.
وحدّثني عُمر بن سيف، أنه حضر مجلس أبي عبّاد ثابت بن يحيى يوماً في منزله، وعنده جماعة من الكتاب، فذكر ما هم عليه من ملائم الأخلاق ومدانس الأفعال، قال: ووصف تقاطعهم عند الاحتياج، وعدم تعاطفهم عند الاختلال، وزُهدهم في المواصلة فقال: معاشر الكتاب، ما أعلم أهل صناعة أملأ لقلوب العامَّة منكم، ولا النعم على قومٍ أظهر منها عليكم. ثم إنَّكم في غاية التقاطع عند الاحتياج، وفي ذروة الزُّهد في التعاطف عند الاختلال. وإنَّه ليبلغني أنَّ رجلاً من القصابين يكون