للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم، جعلت فداءك، أني لم أرد بمزاحك إلا أن أضحك سنك، ولا كانت غايتي فيك إلا لأنفق عندك. وقد كنت خفت أن لا أكون وقفت على حده، وأشفقت من المجاوزة لقدره.

والمزاح باب ليس المخوف فيه التقصير، ولا يكون الخطأ فيه من جهة النقصان. وهو باب متى فتحه فاتح، وطرق له مطرق، ولم يملك من سده مثل الذي يملك من فتحه، ولم يخرج بقدر ما كان قدم من نفسه، لأنه باب أصل بنائه على الخطأ، ولا يخالطه من الأخلاق إلا ما سخف. ومن شأنه التزيد، وأن يكون صاحبه قليل التحفظ.

ولم نر شيئاً أبعد من شيء ولا أطول له صحبة ولا أشد خلافاً ولا أكثر له خلطة، من الجد والمزاح، والمناظرة والمراء.

فإن كنت لم أقصر عن الغاية، ولم أتجاوز حد النهاية فبما أعرف من يمن مكالمتك، وبركة مكاتبتك، ومن حسن تقويمك وجودة تثقيفك. وإن كنت أخطأت الطريق، وجاوزت المقدار، فما كان ذلك عن جهل بفضلك، ولا إنكار لحقك، ولكن حدود الأشياء إذا خفيت، ومقاديرها إذا أشكلت، ولم يكن مع الناظر فيها مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>