للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والجد مؤلم وربما عرضك لأشد منه، والمزح ملذ وربما عرضك لألذ منه. فقد شاركه في التعريض للخير والشر، وباينه بتعجيل الخير دون الشر.

وإنما تشاغل الناس ليفرغوا، وجدوا ليهزلوا، كما تذللوا ليعزوا، وكدوا ليستريحوا، وإن كان المزاح إنما صار معيباً، والهزل مذموماً، لأن صاحبه لا يكون إلا معرضاً لمجاوزة الحد، ومخاطراً بمودة الصديق.

فالجد داعية إلى الإفراط، كما أن المزاح داعية إلى مجاوزة القدر والتجاوز للجد قاطع بين الفريقين في جميع النوعين.

فقد ساواه المزح فيما هو له وباينه فيما ليس له. وإن كان المزح إنما صار قبيحاً لأن الذي يكون بعده جد، ولم يصر الجد قبيحاً لأن الذي يكون بعده مزح، وكان الجد في هذا الوزن أقبح، وكان المزح على هذا التقدير أحسن، لأن ما جعل الشيء قبيحاً أقبح من الشيء، كما أن ما جعل الشيء حسناً أحسن من الشيء.

فأما الذي عدل بينهما فإنه زعم أن المزاح في موضعه، كالجد في موضعه، كما أن المنع في حقه كالبذل في حقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>