باب الطيرة وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع وغيرها، فنهى الشارع عن التطير وذم المتطيرين، وكان يحب الفأل ويكره الطيرة.
والفرق بينهما: أن الفأل الحسن لا يدخل بعقيدة الإنسان ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله، بل فيه من المصلحة: النشاط والسرور وتقوية النفوس على المطالب النافعة.
وصفة ذلك أن يعزم العبد على سفر أو زواج أو عقدة من العقود أو على حالة من الأحوال المهمة ثم يرى في تلك الحال ما يسره، أو يسمع كلاما يسره مثل يا راشد أو سالم أو غانم، فيتفاءل ويزداد طمعه في تيسير ذلك الأمر الذي عزم عليه، فهذا كله خير وآثاره خير، وليس فيه من المحاذير شيء.
وأما الطيرة فإنه إذا عزم على فعل شيء من ذلك من الأمور النافعة في الدين وفي الدنيا، فيرى أو يسمع ما يكره أثر في قلبه أحد أمرين، أحدهما أعظم من الآخر.
أحدهما: أن يستجيب لذلك الداعي فيترك ما كان عازما على فعله أو بالعكس، فيتطير بذلك وينكص عن الأمر الذي كان عازما عليه، فهذا كما ترى قد علق قلبه بذلك المكروه غاية التعليق وعمل عليه، وتصرف ذلك المكروه في إرادته وعزمه وعمله، فلا شك أنه على هذا الوجه أثر على إيمانه وأخل بتوحيده وتوكله، ثم بعد هذا لا تسال عما سيحدثه له هذا الأمر من ضعف القلب ووهنه وخوفه من المخلوقين وتعلقه بالأسباب وبأمور ليست أسبابا، وانقطاع قلبه من تعلقه بالله، وهذا من ضعف التوحيد والتوكل ومن طرق الشرك ووسائله، ومن الخرافات المفسدة للعقل.
الأمر الثاني: أن لا يستجيب لذلك الداعي ولكنه يؤثر في قلبه حزنا وهما وغما، فهذا وإن كان دون الأول لكنه شر وضرر على العبد، وضعف لقلبه وموهن لتوكله، وربما أصابه مكروه فظن أنه من ذلك الأمر فقوي تطيره، وربما تدرج إلى الأمر الأول.
فهذا التفصيل يبين لك وجه كراهة الشارع للطيرة وذمها، ووجه منافاتها للتوحيد والتوكل.
وينبغي لمن وجد شيئا من ذلك وخاف أن تغلبه الدواعي الطبيعية أن يجاهد نفسه على دفعها ويستعين بالله على ذلك، ولا يركن إليها بوجه ليندفع الشر عنه.