الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله.
الرابعة: شدة الوعيد في القنوط.
باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} مقصود الترجمة أنه يجب على العبد أن يكون خائفا من الله، راجيا له راغبا راهبا، إن نظر إلى ذنوبه وعدل الله وشدة عقابه خشي ربه وخافه، وإن نظر إلى فضله العام والخاص وعفوه الشامل رجا وطمع، وإن وفق لطاعة رجا من ربه تمام النعمة بقبولها، وخاف من ردها بتقصيره في حقها، وإن ابتلي بمعصيته رجا من ربه قبول توبته ومحوها، وخشي بسبب ضعف التوبة والالتفات للذنب أن يعاقب عليها وعند النعم واليسار يرجو الله دوامها والزيادة منها والتوفيق لشكرها، ويخشى بإخلاله بالشكر من سلبها، وعند المكاره والمصائب يرجو الله دفعها وينتظر الفرج بحلها، ويرجو أيضا أن يثيبه الله عليها حين يقوم بوظيفة الصبر، ويخشى من اجتماع المصيبتين فوات الأجر المحبوب، وحصول الأمر المكروه إذا لم يوفق للقيام بالصبر الواجب، فالمؤمن الموحد في كل أحوله ملازم للخوف والرجاء وهذا هو الواجب، وهو النافع، وبه تحصل السعادة ويخشى على العبد من خلقين رذيلين:
أحدهما: أن يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله وروحه.
الثاني: أن يتجارى به الرجاء حتى يأمن مكر الله وعقوبته، فمتى بلغت به الحال إلى هذا فقد ضيع واجب الخوف والرجاء اللذين هما من أكبر أصول التوحيد وواجبات الإيمان.
وللقنوط من رحمة الله واليأس من روحه سببان محذوران:
أحدهما: أن يسرف العبد على نفسه ويتجرأ على المحارم فيصر عليها ويصمم على الإقامة على المعصية، ويقطع طمعه من رحمة الله، لأجل أنه مقيم على الأسباب التي تمنع الرحمة، فلا يزال كذلك حتى يصير له هذا وصفا وخلقا لازما، وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد، ومتى وصل إلهي هذا الحد لم يرج له خير إلا بتوبة نصوح وإقلاع قوي.
الثاني: أن يقوى خوف العبد بما جنت يداه من الجرائم ويضعف علمه بما لله من واسع الرحمة والمغفرة، ويظن بجهله أن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولو تاب وأناب، وتضعف إرادته فييأس من الرحمة، وهذا من المحاذير الضارة الناشئة من ضعف علم العبد بربه، وماله من الحقوق، ومن ضعف النفس وعجزها ومهانتها.
فلو عرف هذا ربه ولم يخلد إلى الكسل، لعلم أن أدنى سعي يوصله إلى ربه، وإلى رحمته وجوده وكرمه.
وللأمن من مكر الله أيضا سببان مهلكان:
أحدهما: إعراض العبد عن الدين وغفلته عن معرفة ربه وماله من الحقوق، وتهاونه بذلك فلا يزال معرضا غافلا مقصرا عن الواجبات، منهمكا في المحرمات، حتى يضمحل خوف الله من قلبه، ولا يبقى في قلبه من الإيمان شيء، لأن الإيمان يحمل على خوف الله وخوف عقابه الدنيوي والأخروي. السبب الثاني: أن يكون العبد عابدا جاهلا معجبا بنفسه مغرورا بعمله فلا يزال به جهله حتى يدل بعمله ويزول الخوف عنه، ويرى أن له عند الله المقامات العالية، فيصير آمنا من مكر الله متكلا على نفسه الضعيفة المهينة، ومن هنا يخذل ويحال بينه وبين التوفيق، إذ هو الذي جنى على نفسه.
فبهذا التفصيل تعرف منافاة هذه الأمور للتوحيد.