إذا نحن بامرأة على راحلة تسير، فسرت حذاءها، فقالت:«أتروي لكثير شيئاً» ، قلت:«نعم» . قالت:«أنشدني» ، فأنشدتها من شعره، فقالت:«أين هو» ؟ قلت:«هو ذاك الذي ترين على غير الطريق» ، فقالت بعد أن دنت منه:«قاتل الله زوج عزة حيث يقول:
لعمرك ما رب الرباب كثيرٌ ... بفحلٍ ولا آباؤه بفحول
فغضب كثير وسار وتركها، ثم نزل منزلاً، فجاءت جارية لها تدعوه، فأبى كثير أن يأتيها فقلت: «ما رأيت مثلك قط! امرأة مثل هذه ترسل إليك، فتأبى عليها» ؟ فلم أزل به حتى أتاها، قال: فسفرت عن وجهها، فإذا هي أجمل الناس وأكملهم ظرفاً وعقلاً، وإذا هي غاضرة أم ولد بشر بن مروان، فصحبناها حتى كنا بزبالة فمالت بنا الطريق، فقالت له:«هل لك أن تأتي الكوفة فأضمن لك على بشر الصلة والجائزة» ؟ فأبى وأمرت له بخسمة آلاف درهم، ولي بألفين، فلما أخذنا الخمسة الآلاف قال:«ما أصنع بعكرمة، وقد أصبت ما ترى» ؟ فذلك قوله حيث يقول:
أغاضر لو رأيت غداة بنتم ... حنو العائدات على وسادي
رثيت لعاشقٍ لم تشكميه ... جوانحه تلذع بالزناد
(الشكيمة: العطية، والزناد: جمع زند وهو عود يقدح منه النار) .
قالالحكم بن صخر الثقفي: حججت فرأيت بأقرة امرأتين لم أر كجمالهما وظرفهما وثيابهما، فلما حججت وصرنا بأقرة، إذا أنا بإحدى الجاريتين قد جاءت، فسألت سؤال منكر، فقلت:«فلانة» ؟ قالت:
«فداك أبي وأمي رأيتك عاماً أول شاباً سوقة، والعام شيخاً ملكاً، وفي وقت دون ذلك ما تنكر المرأة صاحبها» . فقلت:«ما فعلت أختك» ؟ فتنفست الصعداء وقالت: قدم علينا ابن عم لنا فتزوجها، فخرج بها إلى نجد فذاك حيث أقول: