للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليك، فلم يذهب فقال: والله لئن خرجت إليك لادقن رأسك، فقال ابن المقفع للسائل: ويحك لو عرفت من صدق وعيده ما أعرف من صدق وعده لم تزد كلمة ولم تقم طرفة عين! قال: وكتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له كثير المال يستسلفه، فكتب إليه: العيال كثير والدخل قليل والمال مكذوب عليه. فكتب إليه: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت صادقاً فجعلك الله معذوراً. وكتب آخر إلى آخر يصف رجلاً: أما بعد فإنك كتبت تسأل عن فلان كأنك هممت به أو حدثتك نفسك بالقدوم إليه فلا تفعل. فإن حسن الظن به لا يقع في الوهم إلا بخذلان الله، والطمع فيما عنده لا يخطر على القلب إلا بسوء التوكل على الله، والرجاء فيما في يده لا ينبغي إلا بعد اليأس من رحمة الله. إنه يرى الإيثار الذي يرضى به التبذير الذي يعاقب عليه والاقتصاد الذي أمر به الإسراف الذي يعاقب عليه، وإن بني إسرائيل لم يستبدلوا العدس والبصل بالمن والسلوى إلا لفضل أخلاقهم وقديم علمهم، وأن الصنيعة مرفوعة والصلة موضوعة، والهبة مكروهة، والصدقة منحوسة، والتوسع ضلالة، والجود فسوق، والسخاء من همزات الشياطين. وإن مواساة الرجال من الذنوب الموبقة والأفضال عليهم من إحدى الكبائر. وأيم الله إن المرء في خصاصة نفسه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن آثر على نفسه فقد ضل ضلالاً بعيداً كأنه لم يسمع بالمعروف إلا في الجاهلية، الذي قطع الله أدبارهم ونهى المسلمين عن إتباع آثارهم وإن الرجفة لم تأخير أهل مدين إلا لسخاء كان فيهم ولا أهلكت الريح عاداً إلا لتوسع كان منهم فهو يخشى العقاب على الإنفاق ويرجو الثواب على الإقتار ويعد نفسه خاسراً أو يعدها الفقر ويأمرها بالبخل خيفة أن تمر به قوارع الدهر وأن يصيبه ما أصاب القرون الأولى، فأقم رحمك الله مكانك واصطبر على عسرك عسى الله أن يبدلنا وإياك خيراً منه زكاة وأقرب رحماً.

ولبعض الكتاب: أما بعد فإن كثير المواعيد من غير نجح عار على المطلوب إليه وقلتها مع نجح الحاجة مكرمة من صاحبها، وقد رددتنا في حاجتنا هذه في كثرة مواعيدك من غير نجح لها حتى كأنا قد رضينا بالتعلل لها دون النجاح كقول القائل:

<<  <   >  >>