للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سِيبَوَيْهِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ اسْمُ لَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فلا بد من خبر المبتدأ، وَإِلَّا فَمَا قَالَهُ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْإِضْمَارِ فَاسِدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِذَا لَمْ يُضْمَرْ يَكُونُ نَفْيًا لِلْمَاهِيَّةِ, فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ نَفْيَ الْمَاهِيَّةِ هُوَ نَفْيُ الْوُجُودِ، لَا تُتَصَوَّرُ الْمَاهِيَّةُ إِلَّا مَعَ الْوُجُودِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ "لَا مَاهِيَّةَ" و"لا وُجُودَ". وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود، و"إلا اللَّهُ" مَرْفُوعٌ، بَدَلًا مِنْ "لَا إِلَهَ" لَا يَكُونُ خَبَرًا لِـ"لَا"، وَلَا لِلْمُبْتَدَإِ. وَذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا ذِكْرَ الْإِعْرَابِ، بَلِ الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى النُّحَاةِ فِي ذَلِكَ، وَبَيَانُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ, وَهُوَ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: نَفْيَ الْوُجُودِ لَيْسَ تَقْيِيدًا؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مَرْيَمَ: ٩]. وَلَا يُقَالُ: لَيْسَ قَوْلُهُ: غَيْرُهُ. كَقَوْلِهِ: إِلَّا اللَّهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ تُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إِلَّا, فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لِلْخَبَرِ فِيهِمَا وَاحِدًا, فَلِهَذَا ذَكَرْتُ هَذَا الْإِشْكَالَ وَجَوَابَهُ هُنَا.

قَوْلُهُ: "قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ".

ش: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ} [الحديد: ٣]. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ" ١. فَقَوْلُ الشَّيْخِ قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ هُوَ مَعْنَى اسْمِهِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ. وَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ مُسْتَقِرٌّ فِي الْفِطَرِ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَاتِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ, فَإِنَّا نُشَاهِدُ حُدُوثَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَحَوَادِثَ الْجَوِّ كَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْحَوَادِثُ وَغَيْرُهَا لَيْسَتْ مُمْتَنِعَةً، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يُوجَدُ، وَلَا وَاجِبَةَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، وَهَذِهِ كَانَتْ مَعْدُومَةً ثُمَّ وُجِدَتْ، فعدمها ينفي وجودها، وَوُجُودُهَا يَنْفِي امْتِنَاعَهَا، وَمَا كَانَ قَابِلًا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تعالى:


١ أخرجه مسلم "٨/ ٧٨ - ٧٩" في حديث أوله: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول ... " فذكره.

<<  <   >  >>