للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ١.

كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" ٢.

وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ مَا فِي إِدَالَةِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْحِكْمَةِ فَقَالَ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٣٩]، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، الْآيَاتِ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى سُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ الَّتِي بَهَرَتِ الْعُقُولَ.

قَالَ: وَسَأَلْتُكُمْ عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ؟ فَذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ والصلة، وينهكم عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ, وَكَانَ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ حِينَئِذٍ كَافِرٌ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بُغْضًا وَعَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: فَقُلْتُ٣ لِأَصْحَابِي وَنَحْنُ خُرُوجٌ، لَقَدْ أمِر أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ لَيُعَظِّمُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ الله عليّ الإسلام وأنا كاره.


١ في الأصل: البصر.
٢ صحيح مسلم "٨/ ٢٢٧", وأحمد "٤/ ٣٣٢، ٣٣٣، ٦/ ١٥، ١٦" بلفظ: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد ... "، الحديث والباقي مثله سواء، وفي رواية لأحمد: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ ضحك فقال: "ألا تسألوني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله ومم تضحك؟ قال: عجبت لأمر المؤمن ... " الحديث, وسنده صحيح على شرط مسلم وله شاهد مختصر، خرجته في "الصحيحة" "١٤٧".
٣ في الأصل: قلت.

<<  <   >  >>