للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ، مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَا أَدْرِي، أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا؟ فَقُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا! مَا ذَكَرْتُهُ إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كَمَا حَدَّثَكُمْ [بِهِ]، قَالَ: "ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" ١. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ" ٢. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ"٣، الْحَدِيثَ.

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ فِي الشَّفَاعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالْمُشْرِكُونَ وَالنَّصَارَى وَالْمُبْتَدِعُونَ مِنَ الْغُلَاةِ فِي الْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ: يَجْعَلُونَ شَفَاعَةَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ عِنْدَ اللَّهِ كَالشَّفَاعَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الدُّنْيَا, وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ أَنْكَرُوا شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرَهُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَيُقِرُّونَ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُ وَيَحُدَّ لَهُ حَدًّا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: "إِنَّهُمْ يَأْتُونَ آدَمَ، ثُمَّ نُوحًا، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَذْهَبُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ، لَا أحسنها الآن، فيقول: أي محمد،


١ صحيح، كما ذكر المؤلف رحمه الله من حديث أنس.
٢ موضوع، رواه ابن ماجه "٤٣١٣" والعقيلي في "الضعفاء" "ص٣٣١" في ترجمة عنبسة بن عبد الرحمن القرشي وقال: "لا يتابع عليه" وروى عن البخاري أن قال: تركوه. وقال أبو حاتم: كان يضع الحديث، وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" "١٩٧٨".
٣ صحيح. أخرجه مسلم "١/ ١١٥ - ١١٦" وأحمد "٣/ ٩٤".

<<  <   >  >>