للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جلده في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ! مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه، [فوالله ما علمت]، إنه يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ١ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فِي طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ وَأَئِمَّةٍ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَفِيهِمْ بَعْضُ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ أَوِ الْمُرْجِئَةِ أَوِ الْقَدَرِيَّةِ أَوِ الشِّيعَةِ أَوِ الْخَوَارِجِ, وَلَكِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَا يَكُونُونَ قَائِمِينَ بِجُمْلَةِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ، بَلْ بِفَرْعٍ مِنْهَا, وَلِهَذَا انْتَحَلَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ لِطَوَائِفَ٢ مِنَ السَّلَفِ الْمَشَاهِيرِ. فَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ.

وَلَكِنْ بَقِيَ هُنَا إِشْكَالٌ يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ سَمَّى بَعْضَ الذُّنُوبِ كُفْرًا، قَالَ اللَّهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٤٤]. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ ٣ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" ٤. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" ٥. وَ "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ, فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" ٦. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا مِنْ حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ [خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ] خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" ٧. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يزني الزاني حين يزني وهو


١ وهو في "الحدود" من "البخاري".
٢ في الأصل: الطوائف.
٣ في الأصل: المؤمن.
٤ وهو في "الإيمان" من "الصحيحين". وانظر "صحيح الجامع الصغير" "٣٥٨٩ و٣٥٩٦".
٥ أخرجه الشيخان، وهو مخرج في "غاية المرام" "٤٤٣".
٦ أخرجه الشيخان.
٧ أخرجه الشيخان.

<<  <   >  >>