للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حُكْمُ اللَّهِ: فَهَذَا كَفْرٌ أَكْبَرُ١. وَإِنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَعَلِمَهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَعَدَلَ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ، فَهَذَا عَاصٍ، وَيُسَمَّى كَافِرًا كُفْرًا مَجَازِيًّا، أَوْ كُفْرًا أَصْغَرَ, وَإِنْ جَهِلَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا، مَعَ بَذْلِ جُهْدِهِ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطىء، لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ.

وَأَرَادَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا نَقُولُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ مُخَالَفَةَ الْمُرْجِئَةِ. وَشُبْهَتُهُمْ كَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْأَوَّلِينَ، فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِمْ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا من ذلك, فإن قدامة بن عبد الله شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا هُوَ وَطَائِفَةٌ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الْمَائِدَةِ: ٩٣] الْآيَةَ. فَلَمَّا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اتَّفَقَ هُوَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ إِنِ اعْتَرَفُوا بِالتَّحْرِيمِ جُلِدُوا، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى اسْتِحْلَالِهَا قُتِلُوا. وَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوِ اتَّقَيْتَ وَآمَنْتَ وَعَمِلْتَ الصَّالِحَاتِ لَمْ تَشْرَبِ الْخَمْرَ, وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَكَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟ فَأَنْزِلُ الله هَذِهِ الْآيَةَ, بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ مَنْ طَعِمَ الشَّيْءَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يُحَرَّمْ فِيهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُصْلِحِينَ، كَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ, ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ فَعَلُوا [ذلك يذمون] على أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا وَأَيِسُوا مِنَ التَّوْبَةِ, فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى قُدَامَةَ يَقُولُ لَهُ: {حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ


١ قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا مثل ما ابتلي به الذين درسوا القوانين الأوروبية، من رجال الأمم الإسلامية، ونسائها أيضا! الذين أشربوا في قلوبهم حبها، والشغف بها، والذب عنها، وحكموا بها، وأذاعوها, بما ربوا من تربية أساسها صنع المبشرين الهدامين أعداء الإسلام, ومنهم من يصرح، ومنهم من يتوارى. ويكادون يكونون سواء. فإن لله وإنا إليه راجعون.
١ في الأصل: حكم.

<<  <   >  >>