للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْمُرِيدِ, وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي, فَلْيَظُنَّ [بِي] مَا شَاءَ" ١, وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ" ٢، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ فِي مَرَضِهِ أَرْجَحَ مِنْ خَوْفِهِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَوْفُهُ أَرْجَحَ مِنْ رَجَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ [وَحْدَهُ] فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حروري، [وروي]: وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ فِي قَوْلِهِ:

لَوْ قد رأيت الصغير من عمل الخـ ... ـير ثَوَابًا عَجِبْتَ مِنْ كِبَرِهْ

أَوْ قَدْ رَأَيْتَ الْحَقِيرَ مِنْ عَمِلَ الشَّـ ... ـرِّ جَزَاءً أَشْفَقْتَ مِنْ حَذَرِهْ

قَوْلُهُ: "وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ".

ش: يُشِيرُ الشَّيْخُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِ بِخُرُوجِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ, وفيه تقرير لما قال أولا: لا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ, وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.


١ متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: " ... وأنا معه إذا ذكرني ... " الحديث، وقد مضى في الكتاب "برقم ٣٥٥" معزوا لـ"الصحيح" أيضا، وعزوه إليه هنا خطأ، فإنه إنما رواه بهذا اللفظ الذي هنا عن أبي هريرة الإمام أحمد، وفيه ابن لهيعة، لكن له شاهد من حديث واثلة، رواه أحمد وغيره بسند صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" تحت الحديث "١٦٦٣".
٢ رواه مسلم وغيره كما في "أحكام الجنائز" "ص٣".

<<  <   >  >>