الذي يجب لله "على" عِبَادَةً مَحْضَةً عَلَى الْأَعْيَانِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ من كان قادرا عليه، ليعبد الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَمْسُ، وَمَا سوى ذلك فإنما يجب بأسباب مصالح، فَلَا يَعْلَمُ وُجُوبَهَا جَمِيعُ النَّاسِ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إِمَارَةٍ، وَحُكْمٍ، وَفُتْيَا، وَإِقْرَاءٍ، وَتَحْدِيثٍ، وَغَيْرِ ذلك, وأما ما يَجِبَ١ بِسَبَبِ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ، فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَقَدْ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ مِنْ قضاء الديون، ورد الأمانات والغصوب، وَالْإِنْصَافِ مِنَ الْمَظَالِمِ، مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى زَيْدٍ غَيْرُ الْوَاجِبِ عَلَى عَمْرٍو, بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَالِيًّا فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلَّهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ مَصَارِفُهَا، وَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا الْغَيْرُ بِلَا إِذْنِهِ، وَلَمْ تُطْلَبْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، وَلَوْ أَدَّاهَا غَيْرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَيُطَالَبُ بِهَا الْكُفَّارُ. وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَالْكَفَّارَاتِ، هُوَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا كَانَ التَّكْلِيفُ شَرْطًا فِي الزَّكَاةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
١ في الأصل: أن يجب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute