للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي، أَوْ بِمَا لَا أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْيَبَ لِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَهْيَبُ لِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَتْ بِهِ قَضِيَّةٌ، فَلَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْهَا أَصْلًا، وَلَا فِي السُّنَّةِ أَثَرًا، فَاجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا رَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

قَوْلُهُ: "وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ".

ش: تَوَاتَرَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَالرَّافِضَةُ تُخَالِفُ هَذِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ، فَيُقَالُ لَهُمُ: الَّذِينَ نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَالَّذِينَ تَعَلَّمُوا الوضوء منه توضئوا عَلَى عَهْدِهِ وَهُوَ يَرَاهُمْ وَيُقِرُّهُمْ، وَنَقَلُوهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ, أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الَّذِينَ نَقَلُوا لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ. فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّمُوا الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْهُ، فَإِنَّ هَذَا الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُمْ قَدْ رَأَوْهُ يَتَوَضَّأُ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنَقَلُوا عَنْهُ ذِكْرَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى نَقَلُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهَا، أَنَّهُ قَالَ: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ" ١.

مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ إِذَا كَانَ مَسْحَ ظَاهِرِ الْقَدَمِ، كَانَ غَسْلُ الْجَمِيعِ كُلْفَةً لَا تَدْعُو إِلَيْهَا الطِّبَاعُ، كَمَا تَدْعُو الطِّبَاعُ إِلَى طَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، فَلَوْ جَازَ الطَّعْنُ فِي تَوَاتُرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ، لَكَانَ فِي نَقْلِ لَفْظِ آيَةِ "الْوُضُوءِ" أَقْرَبَ إِلَى الْجَوَازِ، وَإِذَا قَالُوا: لَفْظُ الْآيَةِ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَذِبُ وَلَا الْخَطَأُ، فَثُبُوتُ التَّوَاتُرِ فِي نَقْلِ الْوُضُوءِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَكْمَلُ، وَلَفْظُ الْآيَةِ لَا يُخَالِفُ مَا تَوَاتَرَ مِنَ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ كَمَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْإِصَابَةُ, كَذَلِكَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْإِسَالَةُ، كَمَا تَقُولُ [الْعَرَبُ]: تَمَسَّحْتُ لِلصَّلَاةِ، وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحَ الَّذِي هو قسيم الغسل، بل


١ متفق عليه دون قوله: "وبطون الأقدام" وهو عند أحمد "٤/ ١٩١" بسند صحيح من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي.

<<  <   >  >>