للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ: مُطْمَئِنَّةٍ، وَلَوَّامَةٍ، وَأَمَّارَةٍ، قَالُوا: وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الْفَجْرِ: ٢٧]. {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [الْقِيَامَةِ: ٢]. {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يُوسُفَ: ٥٣]. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، لَهَا صِفَاتٌ، فَهِيَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، فَإِذَا عَارَضَهَا الْإِيمَانُ صَارَتْ لَوَّامَةً، تَفْعَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ تَلُومُ صَاحِبَهَا، وَتَلُومُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَإِذَا قَوِيَ الْإِيمَانُ صَارَتْ مُطْمَئِنَّةً. وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ" ١. مَعَ قَوْلِهِ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ"، الْحَدِيثَ.

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ تَمُوتُ الرُّوحُ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَمُوتُ؛ لِأَنَّهَا نَفْسٌ، وَكُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: ٢٦, ٢٧] , وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} [الْقَصَصِ: ٨٨]. قَالُوا: وَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَمُوتُ، فَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ أَوْلَى بِالْمَوْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَمُوتُ الْأَرْوَاحُ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ لِلْبَقَاءِ، وَإِنَّمَا تَمُوتُ الْأَبْدَانُ. قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى نَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا, وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لِأَجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا، فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ، فَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا تُعْدَمُ وَتَفْنَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَهِيَ لَا تَمُوتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدُّخَانِ: ٥٦]، وَتِلْكَ الْمَوْتَةُ هِيَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ النار: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [المؤمن: ١١]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٢٨] فَالْمُرَادُ: أنهم كانوا أمواتا


١ "الصحيحة" "٥٥٠".
٢ متفق عليه، وقد مضى الحديث برقم ٣٧٣".
٣ قال عفيفي: انظر ص٢٦٤ من كتاب "الروح".

<<  <   >  >>