للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [الْبَقَرَةِ: ١٨٦]. وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْخَلْقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ؛ أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ دَعَاهُ لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا, وَإِجَابَةُ اللَّهِ لِدُعَاءِ الْعَبْدِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَإِعْطَاؤُهُ سُؤْلَهُ, مِنْ جِنْسِ رِزْقِهِ لَهُمْ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ, وَهُوَ مِمَّا تُوجِبُهُ الرُّبُوبِيَّةُ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي حَقِّهِ وَمَضَرَّةً عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ كُفْرُهُ وَفُسُوقُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ, وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" ١, وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ:

الرَّبُّ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الدُّعَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: الْوُجُودُ، فإن لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لَا يُدْعَى. الثَّانِي: الْغِنَى، فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَا يُدْعَى. الثَّالِثُ: السَّمْعُ، فَإِنَّ الْأَصَمَّ لَا يُدْعَى. الرَّابِعُ: الْكَرَمُ، فَإِنَّ الْبَخِيلَ لَا يُدْعَى. الْخَامِسُ: الرَّحْمَةُ، فَإِنَّ الْقَاسِيَ لَا يُدْعَى. السَّادِسُ: الْقُدْرَةُ، فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يُدْعَى. وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لها: كفي! ولا النجم يقال


١ صحيح، وهو مخرج في "المشكاة" "٢٢٣٨" الطبعة الثانية.
كذا وقع في "الطبعة السادسة" من "شرح العقيدة الطحاوية"، ولكن في موضع آخر منها متقدم على هذا بصفحتين "٥١٦" ما نصه: "ضعيف الإسناد، فيه أبو صالح الخوزي, قال في "التقريب": "لين الحديث"، وأما الحاكم فقال في هذا الحديث "١/ ٤٩١": "صحيح الإسناد"، وسكت عليه الذهبي! وقال الترمذي: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
وليست في متناول يدي نسختي من "المشكاة" التي عليها التحقيق الثاني، لأقابل ما بينته وبين الضعيف المذكور، ثم أثبت هنا الصواب منهما، ويبدو لي الآن -والله أعلم- أن التضعيف هو المعتمد، فقد خرجت الحديث في "الضعيفة" برقم "٤٠٤٠", وأحلت عليه في المجلد الأول منه "ص٥٤٢" منبها على خطأ ما جاء في "ص٢٩" منه من التحسين، فوجب التنبيه على ذلك كله, والمعصوم من عصمه الله تعالى.

<<  <   >  >>