للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَى الْقَلْبِ، يَثِبُ عَلَيْهِ كَوُثُوبِ الْأَسَدِ عَلَى الْفَرِيسَةِ، وَمِنْهَا اشْتِقَاقُهَا١، وَهَذِهِ الْفِرَاسَةُ عَلَى حَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ، فَمَنْ كَانَ أَقْوَى إِيمَانًا فَهُوَ أَحَدُّ فِرَاسَةً, قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفِرَاسَةُ مُكَاشَفَةُ النَّفْسِ وَمُعَايَنَةُ الْغَيْبِ، وَهِيَ مِنْ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ. انْتَهَى.

وَفِرَاسَةٌ رِيَاضِيَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْجُوعِ وَالسَّهَرِ وَالتَّخَلِّي، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْعَوَائِقِ صَارَ لَهَا مِنَ الْفِرَاسَةِ وَالْكَشْفِ بِحَسَبِ تَجَرُّدِهَا، وَهَذِهِ فِرَاسَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى إِيمَانٍ، وَلَا عَلَى وِلَايَةٍ، وَلَا تَكْشِفُ عَنْ حَقٍّ نَافِعٍ، وَلَا عَنْ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ كَشْفُهَا من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبادة الرؤساء والأظناء٢ وَنَحْوِهِمْ.

وَفِرَاسَةٌ خَلْقِيَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي صَنَّفَ فِيهَا الْأَطِبَّاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بالخَلْق عَلَى الخُلُق، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الِارْتِبَاطِ، الَّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ اللَّهِ، كَالِاسْتِدْلَالِ بِصِغَرِ الرَّأْسِ الْخَارِجِ عَنِ الْعَادَةِ عَلَى صِغَرِ الْعَقْلِ، وَبِكِبَرِهِ عَلَى كِبَرِهِ، وَسِعَةِ الصَّدْرِ عَلَى سِعَةِ الْخُلُقِ، وَبِضِيقِهِ عَلَى ضِيقِهِ، وَبِجُمُودِ الْعَيْنَيْنِ وَكَلَالِ نَظَرِهِمَا عَلَى بَلَادَةِ صَاحِبِهِمَا وَضَعْفِ حرارة قلبه، ونحو ذلك.


١ في الأصل: اشتغالها! ولا معنى لها، ولعل ما أثبتنا هو الصواب.
٢ في الأصل: والأطباء.

<<  <   >  >>