للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِمْ، وَافْتِرَاقِ هَذِهِ الْأَحْزَابِ الثَّلَاثَةِ, عَدَمُ الْفُرْقَانِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ. وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: الْفُقَرَاءُ يُسَلَّمُ إِلَيْهِمْ حَالُهُمْ! وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ، بَلِ الْوَاجِبُ عَرْضُ أَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَمَا وَافَقَهَا قُبِلَ! وَمَا خَالَفَهَا رُدَّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" ١. وَفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". فَلَا طَرِيقَةَ إِلَّا طَرِيقَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا حَقِيقَةَ إِلَّا حَقِيقَتُهُ، وَلَا شَرِيعَةَ إِلَّا شَرِيعَتُهُ، وَلَا عَقِيدَةَ إِلَّا عَقِيدَتُهُ، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ [مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَهُ] إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ إِلَّا بِمُتَابَعَتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُصَدِّقًا فِيمَا أَخْبَرَ، مُلْتَزِمًا لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي عَلَى الْأَبَدَانِ, لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ، وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَأَنْفَقَ من الغيب، وأخرج الذهب من الخشب٢، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ مَاذَا عَسَى أَنْ يَحْصُلَ!! فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ، مَعَ تَرْكِهِ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ وَعَزْلِ الْمَحْظُورِ, إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، الْمُبْعِدَةِ لِصَاحِبِهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُقَرِّبَةِ إِلَى سُخْطِهِ وَعَذَابِهِ, لَكِنْ مَنْ لَيْسَ يُكَلَّفُ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ، قَدْ رُفِعَ عَنْهُمُ الْقَلَمُ، فَلَا يُعَاقَبُونَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَا يَكُونُونَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ, لَكِنْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطُّورِ: ٢١].

فَمَنِ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ البُله أَوِ الْمُولَعِينَ٣، مَعَ تَرْكِهِ لِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ, أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى مُتَّبِعِي طَرِيقَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ, فَإِنَّ ذَاكَ الْأَبْلَهَ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ شيطانا زنديقا، أو


١ صحيح، متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مخرج في "الإرواء" "٨٨"، و"غاية المرام" "٥" ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" "٥٢ و٥٣".
٢ في الأصل: الجيب.
٣ في الأصل: المؤلفين.

<<  <   >  >>