أَقْبَحُ مِنْ كُفْرِ النَّصَارَى، فَإِنَّ النَّصَارَى خَصُّوهُ بِالْمَسِيحِ، وَهَؤُلَاءِ عَمُّوا١ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ, وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا التَّوْحِيدِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ كَامِلُو الْإِيمَانِ، عَارِفُونَ بِاللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَبَدُوا اللَّهَ لَا غَيْرَهُ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَا وَالنِّكَاحِ، وَالْكُلُّ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، لَا بَلْ هُوَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَيَّقُوا عَلَى النَّاسِ.
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَهُوَ الْغَايَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى نَقِيضِهِ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، بَلِ الْقُلُوبُ مَفْطُورَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَعْظَمَ مِنْ كَوْنِهَا مَفْطُورَةً عَلَى الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، كَمَا قَالَتِ الرُّسُلُ فِيمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة إِبْرَاهِيمَ: ١٠].
وَأَشْهَرُ مَنْ عُرِفَ تَجَاهُلُهُ وَتَظَاهُرُهُ بِإِنْكَارِ الصَّانِعِ فِرْعَوْنُ، وَقَدْ كَانَ مُسْتَيْقِنًا بِهِ فِي الْبَاطِنِ، كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الْإِسْرَاءِ: ١٠٢]. وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ قَوْمِهِ. {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [سورة النمل: ١٤]. ولهذا [لما] قَالَ: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لَهُ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ، قَالَ [لَهُ] مُوسَى: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ
١ في الأصل: عمموا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute