أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَإِحَاطَةِ الْكُرَةِ بِمَا فِيهَا أَوْ قِيلَ: إنَّهُ فَوْقَهَا وَلَيْسَ مُحِيطًا بِهَا، كَوَجْهِ الْأَرْضِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوْفِهَا، وَكَالْقُبَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَهُ، وَالْعَبْدُ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى اللَّهِ يَقْصِدُ الْعُلُوَّ دُونَ التَّحْتِ، وَتَمَامُ هَذَا بِبَيَانِ:
الْمَقَامُ الثَّالِثُ:
وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يكون العرش كريا كَالْأَفْلَاكِ، وَيَكُونُ مُحِيطًا بِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَوْقَهَا وليس هو كريا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِاتِّفَاقِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا أَنَّ الأفلاك مستديرة كرية الشَّكْلِ، وَأَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا هِيَ جِهَةُ الْمُحِيطِ، وَهِيَ الْمُحَدَّبُ، وَأَنَّ الْجِهَةَ السُّفْلَى هُوَ الْمَرْكَزُ، وَلَيْسَ لِلْأَفْلَاكِ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فَقَطْ.
وَأَمَّا الْجِهَاتُ الست فهي الحيوان، فَإِنَّ لَهُ سِتَّ جَوَانِبَ، يَؤُمُّ جِهَةً فَتَكُونُ أَمَامَهُ، وَيُخْلِفُ أُخْرَى فَتَكُونُ خَلْفَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي يَمِينَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي شِمَالَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رَأْسَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ السِّتِّ فِي نَفْسِهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ، بَلْ هِيَ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، فَيَكُونُ يَمِينُ هَذَا مَا يَكُونُ شِمَالُ هَذَا، وَيَكُونُ أَمَامَ هَذَا مَا يَكُونُ خَلْفَ هَذَا، وَيَكُونُ فَوْقَ هَذَا مَا يَكُونُ تَحْتَ هَذَا.
لَكِنَّ جِهَةَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لِلْأَفْلَاكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute