خِطَابَ الْمَقْصُودِ وَدُعَاءَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُخَاطِبُهُ مِنْ أَقْرَبِ جِهَةٍ يَسْمَعُ دُعَاءَهُ مِنْهَا، وَيَنَالُ بِهِ مَقْصُودَهُ إذَا كَانَ الْقَصْدُ تَامًّا.
وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي مَكَانٍ عَالٍ، وَآخَرُ يُنَادِيهِ؛ لَتَوَجَّهَ إلَيْهِ وَنَادَاهُ، وَلَوْ حَطَّ رَأْسَهُ فِي بِئْرٍ وَنَادَاهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَوْتَهُ لَكَانَ هَذَا مُمْكِنًا، لَكِنْ لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنْ يَكُونُ قَصْدُهُ إسْمَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَلَا يَفْعَلُ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ضَعْفِ الْقَصْدِ وَنَحْوِهِ.
حَدِيثُ الْإِدْلَاءِ الَّذِي رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ يُقَوِّيه حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَرْفُوعُ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَمَعْنَاهُ مُوَافِقٌ لِهَذَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَوْ أُدْلِيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ " إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ مَفْرُوضٌ، أَيْ لَوْ وَقَعَ الْإِدْلَاءُ لَوَقَعَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْلِيَ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَالٍ بِالذَّاتِ وَإِذَا أُهْبِطَ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَقَفَ فِي الْمَرْكَزِ وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنْ بِتَقْدِيرِ فَرْضِ الْإِدْلَاءِ، يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَزَاءِ.
فَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ: إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْصِدُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ. كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَكَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ بِقَلْبِهِ، لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَمْنَعُ مِنْهُ الْفِطْرَةُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّيْءِ الْقَصْدَ التَّامَّ يُنَافِي قَصْدَ ضِدِّهِ، فَكَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا بِالذَّاتِ تُنَافِي الْجِهَةَ السُّفْلَى فَكَذَلِكَ قَصْدُ الْأَعْلَى بِالذَّاتِ يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ أَسْفَلَ، وَكَمَا أَنَّ مَا يَهْبِطُ إلَى جَوْفِ الْأَرْضِ يَمْتَنِعُ صُعُودُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِأَنَّهَا عَالِيَةٌ فَتَرُدُّ الْهَابِطَ بِعُلُوِّهَا، كَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا مِنْ عِنْدِنَا تَرُدُّ مَا يَصْعَدُ إلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute