للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنحن ذمَمْناها أم النَّاس كلّهم ... سُقُوا شِرْبَهم منها برَنْقٍ مُكدَّرِ

وقد يجزَع الإنسانُ يُنكبُ وحده ... وإن تكُن البلوى مع النَّاس يصبِرِ

وقال فراص الغامديّ:

ويَوم كأنَّ المصطلين بحرّه ... وإن لم يكن جمرٌ قيامٌ على الجمرِ

صبَرنا له حتَّى يَبُوخ وإنَّما ... تُفرَّج أيَّام الكريهة بالصبرِ

ومَن عدّ مسعاةً فلا يكذِبنَّها ... ولا يكُ كالأَعمى يقول ولا يدري

وقال معقر الأزديّ:

أَلا مَن لعَين قد نآها حميمُها ... وأَرَّقها بعد المنام همومُها

وباتتْ لها نفسانِ شتَّى هواهما ... فنفسٌ تعزِّيها ونفسٌ تلومُها

ومُستنبح بعد العشاء دعوتُهُ ... على ساعة من سمعة يَستديمُها

دعا دعوةً من بعد أوَّل هجعة ... من الليل والظَّلماء خُوصٌ نجومُها

رفعتُ له بالكفِّ ناراً يشبُّها ... على المجدِ معروفٌ بها ما يَريمُها

وقمتُ إلى البَرْك الهواجد فاتَّقتْ ... مرابيعُ أمثال الجراثيم كومُها

قوله: " وباتت لي نفسان شتى " البيت، مثل قول الآخر:

أَلا إنَّ لي نفسَين نفسٌ تقول لي ... تمتَّعْ بليلى ما بدا لكَ لينُها

ونفسٌ تقول اسْتَحيِ من طلب الصّبا ... ونفسك لا تطرح على مَن يُهينُها

وقال صاحب الأزديّ:

هل الدَّهرُ إلاَّ ليلةٌ وصباحُها ... وإلاَّ طلوعُ الشَّمس ثمَّ رواحُها

وإلاَّ صروفُ الدَّهر بالمرءِ مرَّة ... ذلولاً ومرّا سعيُها ومراحُها

تُقرِّبُ ما ينأى وتُبعدُ ما دنا ... إلى أجَلٍ ُيفضي إليه انشراحُها

ويسعى الفتَى فيها وليس بمُدركٍ ... هواه سوى ما غرَّ نفساً طماحُها

أخذ أبو ذؤيب قوله: " هل الدَّهرُ إلاَّ ليلةٌ " البيت بأسره فقال:

هل الدَّهرُ إلاَّ ليلةٌ ونهارُها ... وإلاَّ طلوع الشَّمس ثمَّ غِيارُها

وقال عبيد السلاميّ:

وكلُّ قرينٍ ذي قرين يودُّه ... سيفجَعُهُ يوماً من الدَّهر فاجِعُ

وإنِّي لصرَّامٌ ولم يخلقِ الهوَى ... جميلٌ فراقي حين تبدو الشَّرائِعُ

وإنِّي لأستَبْقي إذا العسرُ مسَّني ... بشاشة وجهي حين تبلَى المنافِعُ

مخافةَ أن أقلَى إذا جئتُ سائلاً ... ويرجعَني نحو الرِّجال المطامِعُ

وأعرضُ عن أشياء لو شئتُ نلتُها ... حياءً إذا ما كانَ فيها مقادِعُ

ولا أدفَع ابنَ العمّ يمشي على شَفاً ... ولو بلغَتْني من أذاهُ الجنادِعُ

ولكن أُواسيهِ وأنسَى ذنوبَه ... لترجِعَه يوماً إليَّ الرَّواجِعُ

وحسبُك من ذُل وسوء صنيعةٍ ... معاداةُ ذي القُربى ولو قيل قاطِعُ

فأَلْبس ثراكَ الأهلَ تسلمْ صدورُهم ... فلا بدَّ يوماً أن يروعَك رائِعُ

فتبلُوَ ما أسلفتَ حتَّى تردَّه ... إليك الجوازي وافراً والصنائِعُ

فإن تكُ تعفُو يُعفَ عنك وإن تكن ... تُقارعُ بالأخرى تُصبْكَ القوارِعُ

وقال عبد الله بن ثعلبة الأزديّ:

إنِّي إذا نادَى المنادي ليلةً ... إحدى ليالي الدَّهر لم أتعللِ

أسعَى إليه ولا يراني قاعداً ... بين القعودِ مع النِّساءِ الغزَّلِ

فلعلَّ ما أُدعى لما أنا فاعلٌ ... ولمَ الحياةُ إذا امرؤ لم يفعلِ

وقال قتادة بن طارق الأزديّ:

فإنْ أنأَ أو أقربْ فإنِّي لحافظٍ ... لحقِّ ابن عمِّي حين يضعُف ناصرُهْ

ولا أتصدَّى للملوك ولا يُرَى ... عدوّ ابن عمِّي لي رفيقاً أُسايرُهْ

وواللهِ لا أُعطَى يداً عن مذلَّة ... أذَلُّ بها ما يمَّمَ البيت سائرُهْ

وقال شراحيل بن قيس بن جعال:

أليسَ أحقَّ النَّاسِ أن يدعَ الصّبا ... وينهَى عن الجهل الكريمُ المُجرّبُ

من الأوَّلين عالج الفقرَ والغنَى ... وكلَّ ضُروعِ الدَّهر ما زال يحلبُ

وقال غيره:

أهنيد إنَّ الموتَ مدركُ من مشَى ... ما إنْ له منجاً ولا متأخَّرُ

ولقد رأيتُ من الحوادث عبرةً ... والدَّهر ذو عِبَرٍ لمن يتدبَّرُ

ولا تَخشعي للنائبات وسلّمِي ... إنَّ الزَّمان بأهله يتغيَّرُ

وقال الوليد بن عريض بن جبلة الكنديّ:

وكلُّ فتى وإنْ كره المنايا ... سيَحدوه إلى المكروه حادي

إذا ما المجدُ ضلَّ ديارَ قوم ... هداهُ لكِندة الأخيار هادي

ترى للمجد وسطَهم بيوتاً ... طِوالا غير واهية العمادِ

وقال شريك بن أبي الأعقل التجيبيّ:

ومستعجِل والمكثُ أدنى لرشدِه ... ولم يدْرِ في اسْتعجاله ما يُبادرْ

تُهيِّبكَ الأسفارَ من خشية الرَّدَى ... وكائنْ رأينا من ردٍ لا يسافِرُ

ولو كان يبدو مقبل الأمر للفتى ... كمُدبره ألفَيتَه لا يدامِرُ

هذا أوّل من أتى بهذا المعنى وهو قوله: " تهيِّبك الأسفار " البيت، وقد أكثرت الشعراء بعده فيه. فمن جيد ذلك قول الشاعر:

تقول سُليمى لو أقمتَ لسرَّنا ... ولمْ تدْرِ أنّي للمَقام أُطوِّفُ

لعلَّ الَّذي خوَّفْتِنا من ورائنا ... يُصادفهُ من بعدنا المتخلِّفُ

ومثله:

وخافَت على التَطواف فَوتي وإنَّما ... تُصابُ غِرارُ الوحش وهي رُتوعُ

وهذا البيت في نهاية الجودة، وهو للمحدثين. والقول في هذا المعنى كثيرٌ جدّاً، ومن سبيلنا الاختصار، لا سيما ما كان مشهوراً في أيدي النَّاس.

وقوله " ولو كان يبدو مقبل الأمر للفتى " البيت، جيد صحيح، وأخذه ابن الرومي فقال:

ألا من يُريني غايتي قبلَ مذهبي ... ومن أينَ والغايات بعد المذاهبِ

وهذا المعنى كثير جدّاً. وقال ابن غزالة:

لا يُؤثلُ الدَّهر من صرف الرَّدَى أحداً ... والموت إن أكُ منه هارباً لحِقا

وكلّ باكٍ سيُبكَى ليس منفلِتاً ... من المنيَّة إمعاناً ولا شفقَا

كذلك الدَّهر لا يرعَى على أحد ... والمرءُ رهنٌ لريب الدَّهر مذ خُلِقا

وقال آكل المُرَار:

رُبَّ همٍّ جَشَمتُه في هواكُم ... وبَعيرٍ تركتُهُ محسورِ

وغُلام كلفتُه دَلج اللَّي ... لِ فأضحَى يَميد كالمخمورِ

إنَّ من غرَّه النساءُ بشيء ... بعد هندٍ لجاهلٌ مغرورُ

حلوة العين واللسان ومُ ... رُّ كلّ شيء يُجِنّ منها الضميرُ

وقال الحارث بن مريم الوادِعيّ:

فما نفخ روض ذي أقاح وحَنوة ... وذي ورَقٍ من قُلَّةِ الحَزنِ عازبِ

ولا ريح فَغْوٍ أو خُزامَى وحَنوة ... أَرشَّتْ عليه سارياتُ السَّحائبِ

بأَطيبَ من فيها إذا ما تقلَّبتْ ... مع اللَّيل وَسْنَى جانباً بعد جانبِ

وقال أيضاً:

إذا انكشفَتْ عنها عجاجةُ مَعركٍ ... لحين تعَاديها بدت حولها شقرا

وكنَّا إذا ما اسْتمطرونا لحادثٍ ... رعَدْنا فأمطَرنا مثقّفةً سُمرا

نجودُ بها في كلِّ قسر كريهة ... لأعدائنا حتَّى يلينوا لنا قسرا

وقال الحشيش بن عبد الله الوادِعيّ:

إنِّي إذا ما خفتم ورغِبْتُم ... فأنا الحبيبُ لديكُم والمصطفَى

عجباً عجبتُ لمن يدنِّسُ عِرضَه ... ويصون حلّتَه ويحميها الأذَى

الثوب يبلَى ثمَّ يُشرَى غيرُه ... والعِرضُ بعد هلاكه لا يُشترَى

ابن الرقاع العامليّ:

لا خيرَ في الخَبِّ لا تُرجَى فواضلُه ... فاسْتَمطِروا من قريش كلَّ منخدِعِ

تخالُ فيه إذا حاولتَهُ بلَهاً ... عن ماله وهْوَ وافي العقلِ والورعِ

ولبعض الشعراء في يزيد بن المهلّب لمَّا انهزم عنه النَّاس يوم العَقر، وقد بايعوه على الموت:

كلّ القبائل بايعوك على الَّذي ... تدعو إليه طائعينَ وسارُوا

حتَّى إذا حمِيَ الوغَى وجعلتَهم ... نصْبَ الأسنَّةِ أسْلموك وطارُوا

إنْ يقتلوك فإنَّ قتلكَ لم يكن ... عاراً عليك ورُبَّ قتلٍ عارُ

ابن الدمينة:

أيا ربّ أدعوك العشيَّةَ مخلِصاً ... لتعفُوَ عن نفس كثيرٍ ذنوبُها

قضيتَ لها بالبخل ثمَّ ابتَلَيْتها ... بحبِّ الغواني ثمَّ أنت حسيبُها

خليليَّ ما من حَوبة تَرَيانها ... بجسميَ إلاَّ أُمّ عمرو طبيبُها

أهُمُّ بجذِّ الحبلِ ثمَّ يردُّني ... تذكُّرُ ريَّا أُمّ عمرو وطيبُها

وبردُ ثناياها إذا ما تغوَّرتْ ... نجوم يشفّ الواجدين غيوبُها

وقد زعموا أنَّ الرياحَ إذا جرتْ ... يمانيَّةً يشفِي المحبّ دبيبُها

وقد كذبوا لا بل يزيد صبابةً ... إذا كانَ من نحو الحبيب هبوبُها

فيا حبَّذا الأعراض طاب مقيلها ... إذا مسَّها قَطْر وهبَّت جنوبُها

أما قوله: " قضيت لها بالبخل " البيت، فإليه نظر القائل:

<<  <   >  >>