للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظر إلى موقف أبي لهب العجيب من النبي صلى الله عليه وسلم يصدقه أولاً، ثم يكذبه ويسخر منه ومن مقولته، بل إن مجيئه ابتداء وتلبيته لنداء النبي صلى الله عليه وسلم يدل على تصديقه، لكنه ما تمالك نفسه حتى نال من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

والحق أن الأعجب من ذلك هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أبي لهب، فلم يرد عليه مقولته؛ لأنّه يعلم يقيناً إِنْ ردّ عليه فسينقسم الناس إلى قسمين، قسم مؤيد لأبي لهب مستنكرين رَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم بحكم موقع أبي لهب النَّسَبي، فهو عَمُّه، وعمُّ الرجل صنو أبيه (١) ، وقد يَعُدُّ بعضهم ذلك الرد تطاولاً من النبي على عمِّه، وقسم مؤيد للنبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يفسد الهدف الذي من أجله كان الاجتماع، وهو دعوتهم إلى الله، وإقامة الحجة عليهم فآثر السكوت عليه الصلاة والسلام، مفوضاً أمره إلى الله سبحانه وتعالى، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فحاشاً ولا صخاباً، فتولى الباري جل وعلا الرد على أبي لهب، فأنزل في شأنه سورة تتلى إلى يوم القيامة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} الآيات [المسد:١-٣] .

٢- قال ابن إسحاق: ((ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده (٢) ، فلما وصل إليهم ودعاهم إلى الإسلام ردُّوه أقبح رد، وأغلظوا له القول، بل وحرَّشُوا


(١) جزء من حديث، أخرجه مسلم، رقم (٩٨٣) وغيره.
(٢) سيرة ابن إسحاق (ابن هشام) (١/٤١٩) .

<<  <   >  >>