وأن مفهوم الفلاسفة لمعنى العقل مأخوذ من اصطلاح اليونان للكلمة، ولا ينبغي أن يتحكم به قائله في أهل الصناعات الأخرى ولا في لغات أهل الأرض، ولا يجوز أن يجعله بديلا عن المعنى اللغوي العام لمفهوم العقل في لغتنا العربية, أو المعنى العام لها عند الإطلاق، وهذا المعنى اليوناني قد يوافق مذاهب اليونان ولغتهم؛ لأنهم ليسوا أهل دين ولا كتاب منزل، فمن أخذه عنهم وجعله مذهبا له لا يجوز أن يلزم الغير به، ولا أن يجعل المخالف له مخطئا؛ لأن هذه المعاني اصطلاحية خاصة بأهلها, فلا نحكم بالخطأ على مخالفهم ولا نلزم الغير بالأخذ به.
والعقل غريزة فطرية في الإنسان يستطيع بها أن يميز بين الحق والباطل في المعتقدات، والصواب والخطأ في الأقوال والأفعال، وأخذ بهذا المعنى الإمام أحمد بن حنبل والحارس المحاسبي وابن تيمية وابن القيم وجمهور السلف على ذلك، ورفضوا تماما الأخذ بمفهوم الفلاسفة للعقل وعارضوه وبينوا ما فيه من قصور, وما يترتب على الأخذ به من فساد في الدين والعقل معا. ولقد ظن البعض خطأ أن السلف حين رفضوا المفهوم اليوناني للعقل قد رفضوا العقل وأحكامه, ولعل السبب في ذلك أن نبرة التقديس للفلسفة اليونانية كانت قوية وعالية في عصورهم، واعتبرها البعض منزهة عن الخطأ وأن كل ما خالفها من النصوص الشرعية ينبغي أن يؤول