أهل الحق في كل عصر قلة، وأدوات التشنيع ووسائلها متوفرة مع الخصوم مما أظهر المنهج السلفي بمظهر المضاد للعقل الرافض له, وهذا افتراء عليهم.
ولقد كان السلف في حقيقة موقفهم من العقل وأحكامه أكثر فطنة وذكاء, وأكثر احتراما للعقل حين رفضوا مذهب الفلاسفة في ذلك.
فالسلف يرون أن العقل ليس أداة ولا حالا في أداة، فهو ليس كحاسة السمع الحالة بالإذن, أو حاسة البصر الحالة في العين؛ وبالتالي هو ليس جوهرا قائما بنفسه كما يقول الفلاسفة.
والإمام أحمد حين عرف العقل بأنه غريزة ندرك بها الأشياء, ونستنبط بها العلم بالأحكام فإن هذا التعريف من وجهة نظرنا يحتاج إلى توضيح، ذلك أن كلمة غريزة كلمة مجملة، وربما اشتبهت بالغرائز الدنيا في الإنسان وإن كان هذا المعنى ليس مقصودا للإمام أحمد.
والذي يستقرئ تراث السلف في هذه المسألة يجد أن معنى العقل عندهم أقرب إلى أن يكون "وظيفة إدراكية يتعاون في أدائها جميع ملكات الإنسان المعرفية" ما عرفناه منها وما لم نعرفه١.
١ راجع: كتابنا تأملات حول منهج القرآن في تأسيس اليقين، القاهرة، ١٩٨٥م.